ما بعد الحرب
After the War

برزت إمكانية حل المشكلة الكردية إلى الوجود لأول مرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولعل سببها إيجاد منطقة عازلة بين أتراك الأناضول والأقوام التي تتكلم اللغة التركية في آسيا الوسطى والقفقاس وبصورة خاصة في أذربيجان.

"تحرك الكرد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل حقوقهم المشروعة والاستفادة من مبادئ ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير"
وقد تحرك الكرد وبذلوا جهوداً مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام
(1919) على أمل أن ينالوا حقوقهم المشروعة، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسن بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للكرد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسمياً في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خول الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة.

وأصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قراراً في شهر يناير/كانون الثاني 1919 نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".

وانطلاقاً من هذا القرار قدم الممثل الكردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م) والأخرى يوم (1/3/1920). كما طلب من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى "إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق…".

كما جاء في المذكرة الثانية "إن الترك يتظاهرون علناً بأنهم مع المطالب الكردية، وإنهم متسامحون معهم، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقاً…" كما طالب شريف باشا رسمياً من رئيس المؤتمر جورج كليمنصو أن يمارس نفوذه مع حكومة الأستانة لمنع اضطهاد الشعب الكردي، وجاء في رسالته إلى رئيس المؤتمر: إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي السلطة فإن جميع الذين يحملون آمال الحرية القومية قد تعرضوا للاضطهاد المستمر.. وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجدداً، وإن السبيل لضمان السلم في كردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد (أي كردستان)..

ودل كل ذلك على أن المشكلة الكردية تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام في أعقاب الحرب. وما تصريح كليمنصو عندما أعلن على الملأ في مؤتمر الصلح إلا إحدى العلامات حيث قال "إن الحكومة التركية ليست قادرة وكفؤة لإدارة الأمم الأخرى، لذلك لا يوثق بها ولا يجوز أن تعاد إلى سيطرة الأتراك قومية عانت من مظالم الأتراك واستبدادهم".

وعندما رأى شريف باشا أن تعاطف الدول الأوروبية كثير للقضية الأرمنية -ربما بسبب الانتماء الديني للأرمن- بادر إلى عقد اتفاقية مع ممثل الأرمن بوغوص نوبار وبحضور الرئيس المؤقت لوفد جمهورية أرمينيا أوهانجيان. ووقع الجانبان –باسم الشعبين- الاتفاقية، مؤكدين فيها على أن للكرد والأرمن مصالح وأهدافا مشتركة هي: الاستقلال، والتخلص من السيطرة العثمانية.. وقدما نص الاتفاقية بمذكرة رسمية إلى المجلس الأعلى للمؤتمر، ووافق المجلس مبدئياً على المذكرة، ووصف المندوب السياسي البريطاني في الأستانة الاتفاقية بأنها من أسعد البشائر.

معاهدة سيفر (1920)
نجح شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكردية في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في أغسطس /آب 1920، وقد كرس ذلك عملية تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها.

وتعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكردية، حيث نصت على تحقيق حل المشكلة الكردية بمراحل، وإذا اجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكرد لذلك يصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك… ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة... ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقوداً لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد.