ئاميدي ( العمادية ) بعد سقوط الامارة  ١٨٤٣ – ١٩١٤ م
طارق باشا عمادي

تاريخ ئاميدي (العمادية) الزاخر بالحوادث هو جزء من تأريخ كوردستان ومدنها القديمة الخالدة مثل زاخو و ئاكري وداسنيا (شيحان ) وهولير وكركوك وغيرها من مدن الاجزاء الاخرى من كوردستان المقسمة والتي يجب دراستها بتفصيل للوصول الى الحقائق ليطلع عليهاالاجيال ولتوءخذ كعبر وتجارب تضيء طريقها نحو مستقبل افضل . بعد معركة ئيتوت سنة ١٨٤٢م التي كانت الخاتمة من اجل امارة ئاميدي واستقلاليتها عن الحكم العثماني (١)  والتي قادها محمد باشا ابن سعيد باشا ابن محمد طيار باشا ضد جحافل العثمانين بقيادة والي الموصل العثماني محمود باشا بيرقدار والتي ادت الى مقتل القائد الباديني ، استسلمت قلعة ئاميدي واميرها اسماعل باشاالثاني بعدحصار طويل و اتفاق بينه وبين بيرقدار والتي نصت على ما يلي :-
١- المحافظة على سلامة المدينة واهلها واموالهم.
٢- السماح لرجوع كافة العوائل والافراد الى قراهم ومناطق سكناهم.
٣- الحفاظ علىسلامة افراد وكل من له علاقة بأمراء ئاميدي وتعينهم في ولايات اخرى من الامبراطورية العثماية ومن بينهم الامير اسماعيل باشا نفسه.

غادر اسماعيل باشا و حاشيته الى بغداد سنة ١٨٤٣م واستقبل من قبل وجهاء ها بحفاوة وتكريم وعين واليا في البصرة ثم في كربلاءوشهرزور . ئاميدي عاشت مأساتها بيد القائد بيرقدار العثماني اللذي نكث بعهوده بعد سفر اسماعيل باشا الثاني وذلك بأن منع الناس من مغادرة القلعة وعمل السيف فيهم وبأساليب وحشية يندب لها الجبين وخاصة المقربين من عوائل الامراء ثم قام بالنهب والسلب والسيطرة على دور وممتلكات هذه العوائل وتوزيعها على افراد جيشه والمتعاونين معه من اهل المدينة والمنطقة .و قضى بذلك على كل ما بناه هوءلاء الامراء والناس خلال خمسة قرون من الزمن ولم يبق على شيء يشير الى هذا العهد وما تم انجازه . وا صبح ذكر اسم الامراء وكل ما يتعلق بالامارة جريمة يعاقب عليها بالموت. ترك بيرقدار ئاميدي بعد ان عين احد ضباطه وهو ( كه م الماز) حاكما على ئاميدي وخوله سلطات غير محدودة وقد نفذ هذا الضابط ما لم ينفذه قائده من اعمال رهيبة لا يصدقها العقل من تعذيب وترهيب وكان يساعده في ذلك بعض معاونيه من الضباط الاتراك المتزمتين . وقد اثار هذه الاعمال اهل ئاميدي وعلى رأسهم (يونس اغا الكيلي ) سنة ١٨٤٣م وخاصة بعد ان علم هذا الاخير بموت محمود باشا بيرقدار في الموصل واستطاعوا من طرد الضابط ( كه م الماز ) ومعاونيه . ولكن حقد ولاة العثمانين في الموصل وبغداد واصرارهم على القضاء على كل ما له علا قة با لمقاومة في امارة ئاميدي وخاصة في ئاميدي ، جرد الوالي الجديد للموصل ( محمد شريف )حملة عسكرية على ئاميدي١٨٤٥م وقام بمحاصرتها و لمدة ثلاث واربعين يوما ثم استولى على المدينة واسر قائدها ( يونس اغا الكيلي ) واخذه معه الى الموصل حيث تم اعدامه في احدى ساحات المدينة وبقي جثمانه معلقا لايام ليشاهده الناس والقي القبض على الكثيرين من اهل ئاميدي وتم اعدامهم او نفيهم الى مناطق بعيدة . اما البقية من عائلة الكيلي فقد فروا الى اتروش . قامت السلطات العثمانية بتعين ( علي المارديني ) سنة ١٨٤٥ والذي كان ضابطا في الجيش العثماني واصبح اول قائمقام للمدينة وما جاورها بعد سقوط الامارة بعد ان تم تحويلها الى قائمقامية وجعلها مرتبطة بولاية موصل وذلك للقضاء على كل ما لها من علاقة بأمارة ئاميدي (بهدينان) .
استطاعت ئاميدي ان تنهض من جديد وعلى يد اثنين من ابناءها وهما كل من حسن الثاني وخالد ابناء محمد باشا القائد الباديني الذي قتل في معركة ئيتوت التي سبق ذكرها حيث بداء عهد جديد من تأريخ ئاميدي .
ولد حسن وخالد سنة ١٨٣٠ و١٨٣٢ م في ئاميدي ووالدتهما هي ( به ريخان ) اخت الامير بدرخان البوتاني وكان الاثنين مع والدتهما في رعاية خالهما عندما قتل والدهما محمد باشا في معركة ئيتوت وبقيا هناك حيث ترعرعا في كنف خالهما واشتركا في ريعان شبابهما في حروب خالهم بدرخان مع الاثوريين و العثمانين.
انسحب جيش البوتاني بقيادة بدرخان الى قلعة ( ارداغ ) في سنة ١٨٤٨ وذلك ليدافع عن نفسه في هذه القلعة الحصينة والتي حوصرت من قبل الجيش العثماني لمدة احدى عشر شهر .
بعد ان فشلت محاولة انتحارية لفك الحصار عن القلعة اشترك فيها كل من حسن وخالد وزينل برواري ، تم الاستلاء على القلعة والتي كانت اخر معاقل امارة بوتان بسبب خيانة احد اقرباء الامير بدرخان وهو (عزالدين شير ) . وقع كل من الامير بدرخان وحسن وخالد وزينل برواري اسرى بيد الجيش العثماني واقتيدوا الى استانبول حيث سجنوا هناك.
وبمناسبة سقوط الامارات الكوردية سوران وئاميدي (بهدينان ) وبوتان اصدرت الحكزمة العثمانية مدالية حرب سميت (بمدالية كوردستان ) مكتوبة علىاحدى اوجهها ( مدالية كوردستان ) وعلى الوجه الاخر . رسم ( لقلعة ارداغ ).
وبقي كل من حسن وخالد في الاسر في استانبول الى ان صدر قرار (فرمان) عفو عنهما سنة ١٨٥٤ م وبعد التماس من عمهما اسماعيل باشا الثاني ا للذي كان في بغداد والذي كان ما يزال متمتعا بنفوذ لدى السلطات العثمانية ومكان احترامهم .كما ان السلطان منحهما لقب الباشا تقديرا لعمهم ولكونهما من عائلة امراء ئاميدي وسمح لهم بالرجوع الى ئاميدي وبمرافقة والدتهما الاميرة البوتانية ( بريخان ) ولا يزال هذا الفرمان محفوظا في ارشيف الحكومة الثمانية. رجع الاميرين مع والدتهما الى ئاميدي وكان لايزال (علي المارديني) قائمقاما للمدينة وسكنوا في قصر والدهم محمد باشا مقابل دار الامارة والذي بقيت اثاره الى الخمسينات من القرن الماضي. وبقي الاميرين في ئاميدي وبدون التدخل في امور الحكم الى ان عين ( خندان اغا ) كقائمقام جديد في ئاميدي سنة ١٨٦٢م .
اتبع هذا القائمقام سياسة الشدة و الجور و التعسف مع اهالي ئاميدي وخاصة الوجهاء منهم مما ادى ان يجتمع الاهالي على قتله وانبرى احد ابناء ئاميدي واسمه ( عبد الهادي ) للقيام بهذه المهمة واستغل هذا فرصة واجهز على القائمقام بطعنة خنجر ادى الىجرحه ودون وفاته ، القت السلطات العثمانية القبض علي الجاني وتم اعدامه في ئاميدي وامام مرأى سكان القلعة .
اثار هذا الحدث شجون اهل المدينة وقرروا القيام بعمل ما ضد الجيش والسلطات العثمانية و انقاذ ئاميدي من براثن الاتراك وهنا لعب كل من الاميرين حسن باشا الثاني وخالد باشا دورا كبيرا بالاتصال بروؤساء العشائر المجاورة وتوحيد الاهالي في ئاميدي بتحقيق مصاهرة بين العوائل في ئاميدي والمناطق المجاورة. وفي تلك الفترة وبالذات سنة ١٨٧٦م تولى السلطان عبدالحميد مقاليد الحكم في استانبول واسند رئاسة الوزراء الى مدحت باشا في كانون الاول من تلك السنة وكان هذا اصلاحيا واتخذ بعض الاجراءت وخاصة تدعيم وحدة المسلمين والمسيحين ولكن هذه السياسة لم ترض السلطان فقام بعزل رئيس وزراءه ونفيه الى ايطاليا .
نشبت حرب شرسة بين روسيا والدولة العثمانية سنة ١٨٧٧م و صدرت الفتاوي من قبل رجال الدين بوجوب القتال عل كل مسلم واشترك اعداد كبيرة من الاكرادالمتطوعين و اسندت بعض قيادات الجيش الى ضباط اكراد وكان من بينهم كل من عثمان وحسين اولاد بدرخان .


استغل هذان القائدان الكورديان مراكزهما العسكرية للاتصال بالضباط وروؤساء الاكراد وكان بينهم اولاد عمتهم حسن وخالد في ئاميدي للعمل على اعلان الثورة على الحكم العثاني كل في منطقته . بعد ان تكبدت الجيوش العثمانية بهزيمة ساحقة امام الجيش الروسي توجه كل من عثمان وحسين الى بوتان واستولوا على مقاليد الامور اما حسن باشا وخالد باشا وبالتعاون مع العشائر في المنطقة تمردوا على القائمقام( شكري بك ) في ئاميدي سنة ١٨٧٨م و الذي تم تعينه بعد محاولة اغتيال القائمقام السابق ( خندان اغا ) وبدأت الاصطدامات بين الاكراد في منطقة ئاميدي و بوتان من جهة والجيش العثماني من جهة اخرى واستطاع الاكراد من بسط نفوذهم على مناطق واسعة امتدت من ( جوله ميرك ورواندوز) شرقا والى ( زاخو وماردين ) غربا (٣) . تولى الحكم في بوتان الاخ الاكبر عثمان بك بدرخان وفي ئاميدي حسن باشا الثاني وهكذا اعلنت في بوتان امارة الامير عثمان بك وفي ئاميدي امارة حسن باشا وذكر اسماءهم في خطب الجمعة كل في منطقته بدلا من اسم السلطان العثماني. ادت هزيمة الجيش العثماني في الحرب امام الجيش الروسي وتوسع في نفوذ الامير عثمان بك في بوتان والامير حسن باشا في ئاميدي ( بهدينان ) الى ان يعدل السلطان العثماني ( عبد الحميد ) عن سياسته نحو كوردستان فامر بأطلاق سراح كل اللذين سبق ان القي القبض عليهم وخاصة في منطقة بوتان وئاميدي وارسل وفدا الى الامير عثمان بك والامير حسن باشا يدعوهما الى ايقاف القتال وحقن دماء المسلمين وحل المشاكل بالطرق السلمية .وافق الاميران على هذه الدعوة بعد مشاورات بينهما و اتفقا على دخول المفاوضات . واستمرت المفاوضات طويلا محاولا بذلك الطرف العثماني الاستفادة من الوقت وفي كل لقاء حا ول العثمانيون كسب ثقة الاميرين مما جعل هذين الاخيرين يقللان من حراسهم اللذين برافقونهم وكان العثمانيون يغيرون في كل مرة مكان الاجتماع الى ان استطاعوا من اختيار المكان والزمان الملائمين وفي عملية غادرة احاطوا بالاميرين وحراسهم القليلين الذين كانوا برافقوهم وتم اسرهما وقادوهما مخفورين الى استانبول وتم نفيهما الى جزيرة كريت في البحرالابيض المتوسط حيث توفي الامير حسن بعد ثلاث سنوات من النفي في مدينة ( ماندين ) في الجزيرة المذكورة سنة ١٨٨٢م . وقد وصفه (بليج شيركو) في وصفه للثورات البدرخانية نقلا عن الباشا، كان حسن باشا الثاني عالما متضلعا مخلصا وكان خا له بدرخان يحبه و يقدره و يستشيره في كثير من الامورلثبات رأيه ورجاحة عقله وكان له دور في الثورة الكوردية واعتبرته الحكومة العثمانية احد زعماء الثورة وبموت هذين الاميرين انتهى بذلك اي اسم للامارات الكوردية سواء في بوتان او في ئاميدي واسدل الستار عن حقبة مثيرة من تأريخ كوردستان في هاتين المنطقتين ( (ئاميدي وبوتان ) .
خلف حسن باشا ولدين مصطفى وقاسم الملقب ( بالجلبي ) وبنت بأسم بريخان احياء لاسم والدته بريخان الاميرة البوتانية حيث عاشوا في كنف عمهم خالد باشا في ئاميدي ولكن السلطات العثمانية لم تكتفي بذلك بل القت القبض على كل العائلة وعمهم خالد باشا واولاده واقاموا عليهم الاقامة الجبرية في الموصل وبعد سنة افرج عنهم ليرجعوا الى ئاميدي مرة اخرى وليسكن كل من مصطفى وقاسم جلبي وبريخان في دار جدهم المقابل لدار الامارة اما خالد باشا فقد سكن في دارفي وسط المدينة والتي عرف فيما بعد بقصر حاج سليم . استمر ولاة العثمانين في الموصل بملاحقة اولاد واحفاد امراء ئاميدي وذلك عندما اتفق والي الموصل (فائق باشا) مع والي جوله ميرك (قبلان طاطورجي) على اغتيال خالد باشا وذلك بان قام الاخير بتلبية دعوة من قبلان --- بعد ان االحقت ئاميدي بولاية هكاري سنة ١٨٨٤م بدلا عن الموصل --- وسافر الى جوله ميرك وفي طريق العودة الى ئاميدي نصب له كمين من قبل عشائر (البنيانش) اللذين قامو بأغتياله مع مرافقيه وذلك بتوجيه من والي جوله ميرك سنة ١٨٨٥م وهكذا انتهت حياة اخر امير من امراء ئاميدي وهو خالد باشا الذي خلف اولادا هم كل من نعمان وطه وسليم والذين تفرغوا لمهنة التجارة مع اولاد عمومتهم حيث كان لهم باع طويل في هذا المجال . هكذا كانت نهاية امارة ئاميدي (بهدينان ) ونهاية امراءها الذين بلغ عددهم الخمسة والثلاثون بعد صراع طويل مع السلطات العثمانية والصفوية ومع ولاة الموصل وبغداد ومع الامارات الكوردية الاخرى مثل هكاري وسوران واردلان وازيزان ولمدة جاوزت الخمسة قرون ولم يبق لهم من اثر ما عدى ما كتبه بعض الموءرخين والرحالة الغربين في كتبهم و مذكراتهم (٤ ، ٥ ،٦ ، ٧) ام ما كان يملكونه من قرى ومصايف وقصورفقد استولى عليها الاخرون من اعوان اعداء الامارة في المدينة وفي المنطقة . ومراجعة سريعة لتأريخ ئاميدي نرى انها تعرضت الى عمليات حصار اكثر من خمسين مرة تم فيها الاستيلاء علىا المدينة اكثر من عشر مرات وكان الفاتحون يأتون على اخرها من قتل و نهب وسلب ، وما قام به محمد كور باشا الرواندوزي ومحمود باشا بيرقدار والي الموصل العثماني اكبر دليل الى ما ذهبنا اليه .

ولم يبق لهولاء الامراء و احفادهم الا القصر المقابل لدار الامارة والتي ارجعها السلطان العثماني الى حسن باشا وخالد باشا بعد العفو الذي شملهم والسماح لهم بالرجوع الى ئاميدي والسكن فيه وانتقل هذا الدار الى احد ورثة حسن باشا الثاني وهو قاسم جلبي ومن ثم اصبح وقفا لعبد القادر الكيلاني ولهذ قصة سنرجع اليها في مجال اخر . وبعض المزارع والطواحين التي ما زالت باقية الى الوقت الحاضر بعد ان انتقلت ملكية قسم منها الىا ناس اخرين . استمرارية الظلم والتعسف وعلى مر الايام كانت سببا لهجرة الكثيرين من لهم علاقة بهولاء الامراء من الاحفاد والاقرباء الى بلاد الشتات والى اوطان جديدة مثل ئاكري وزاخو واتروش والموصل وبغداد وهناك من شد رحاله الى سوريا ولبنان والبلدان الاخرى ولم يبق في ئاميدي الا القليل من هذه العوائل التي لم يكن لها من حول ولا قوة . واستمرت الاوضاع في التدهور في ئاميدي من الناحية الامنية والفساد الاداري فكان الجندرمة العثمانيون والمسوؤلون عنهم من طبقات وضيعة واميون ضعفاء لا قدرة لهم على ضبط الامور والامن ومطاردة اللصوص والمجرمين في المدينة والمناطق المجاورة لاعتمادهم في معيشتهم على الرشاوي والهدايا وبرز مع الوقت بعض الشقاة والمجرمين تحولوا بمرور الزمن ليتولوا الامر و النهي والسيطرة على المدينة وبالتدريج على كثير من القرى والمناطق ليس في ئاميدي فقط ولكن في المناطق التابعة لها واحيانا كانت تحدث اصطدامات بين هولاء على الغنائم ولغرض كسب ما يمكن كسبه من الاموال والاراضي و بالتعاون مع الجنود والمسوؤلين العثمانين في المدينة وهكذا سارت الامور من سيء الى اسوء الى ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها سنة ١٩١٤م واحتلالالجيشالبريطاني للعراق ومن ضمنها كوردستان وليبدء تأريخ جديد لأميدي وللمنطقة وبمأساة جديدة