البدايات بدأت المشكلة الكردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كردستان عملياً بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
كانت كردستان قبل سنة
(1514م) تسود فيها إمارات مستقلة مشغولة بتنظيم شؤونها الداخلية، لكن سوء معاملة
الشاه إسماعيل الصفوي إضافةً إلى الاختلاف المذهبي أدى إلى انضمام أكثرية الإمارات
إلى جانب الدولة العثمانية فضلاً عن جهود العلامة ملا إدريس البدليسي الذي لعب
دوراً كبيراً في استمالة الكرد إلى جانب الدولة العثمانية، وجاءت المعركة المذكورة
لتضع أغلبية أراضي كردستان تحت سيطرة العثمانيين. تضمن هذا الاتفاق اعترافا من الدولة العثمانية ً بالسلطات الكردية، وهذا الأمر ليس شيئا هيناً، حيث يقدم اعترافاً واضحاً بوجود المشكلة الكردية، يقتضي حلها، حتى لو كان الحل وقتياً!! وفي عام (1555م) عقدت الدولتان الصفوية والعثمانية اتفاقية ثنائية عرفت بـ"أماسيا" وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتم بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسمياً وفق وثيقة رسمية نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد(وهي مناطق كردية صرفة).
وتبعت تلك
المعاهدة، معاهدات واتفاقيات لاحقة منها: معاهدة "زهاو" أو تنظيم الحدود عام
(1639م) بين الشاه عباس والسلطان مراد الرابع، وتم التأكيد على معاهدة أماسيا
بالنسبة لتعيين الحدود، وهذا زاد من تعميق المشكلة الكردية، ثم عقدت بعد ذلك
معاهدات أخرى مثل "أرضروم الأولى" (1823م) و "أرضروم الثانية" (1847م) واتفاقية
طهران وكرست جميع هذه المعاهدات تقسيم كردستان وشعبها بشكل مجحف، وبسبب ذلك تعقدت المشكلة الكردية يوماً بعد آخر، ولا سيما بعد بدء انتشار الأفكار القومية في الشرق، وبالأخص منذ بداية القرن التاسع عشر، حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكردستان عن طريق الرحالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية. ومارست كل هذه الجهات أدوارا مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يأخذوا الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة. وبالرغم من هذا، فإن الدولتين العثمانية والإيرانية، لم تتمكنا من بسط سيطرتهما على كردستان لأسباب عدة، منها طبوغرافية كردستان المعقدة، ودفاع الكرد عن أراضيهم ببسالة.
تدويل
القضية أولاً: الاتصال المبكر بالكرد من قبل روسيا، ثم بريطانيا، حيث كانت الحكومة الروسية شديدة الاهتمام بأوضاع البلدان والشعوب المتاخمة لحدودها، ونظرت الحكومة البريطانية بقلق إلى المطامح الروسية خوفاً من أن يمتد الروس إلى بلاد ما بين النهرين. وكانت شركة الهند الشرقية من أهم بؤر التجسس في المنطقة، كما كانت هناك محاولات فرنسية للتغلغل في كردستان عن طريق الإرساليات التبشيرية. ويمكن القول إن أميركا كانت موجودة في المنطقة على عكس ما كان شائعاً من تطبيقها لمبدأ "مونرو" الذي يؤكد على عدم التورط في المشاكل السياسية خارج أميركا. ثانياً: محاولات الكرد أنفسهم للتقرب من الأجانب، وخاصة البريطانيين في بداية القرن العشرين، حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة في هذا المجال، إذ حاول الاتصال بالإنجليز عام (1914) لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجب له، وبحلول عام (1918) وعند احتلال بريطانيا للعراق طلبت وزارة الخارجية البريطانية من السفير برسي كوكس أن يلتقي بشريف باشا في مدينة مرسيليا الفرنسية للاستماع إلى أقواله فقط !
ثالثاً:
اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية
والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن
أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة
الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد
شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكردية،
وأخرجها من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، حيث تعد معاهدة سايكس بيكو أول
معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحط مت الآمال الكردية في تحقيق حقهم
المشروع في تقرير المصير. |