إمارة بوتان الكردية

بهدينانيون وتلفظ بادينانيون كانوا أصحاب الإمارة الكردية العباسية التي عرفت بإمارة بهدينان (١٣٧٦ - ١٨٤٣) ومصدر الاسم من مؤسس الإمارة الملك بهاء الدين بن الملك خليل بن عز الدين العباسي ،حفيد المبارك أبي المناقب بن الخليفة المستعصم بالله ؛ والذي عرف ببهاء الدين شمزيني نسبة لاسم منطقة شمزين في مقاطعة هكاري الواقعة في جنوب شرق تركيا والبهدينانية هي أيضا إسم منطقة في جنوب کردستان (شمال العراق) حاليا وهي المنطقة التي كان يحكمها وأيضا اسم أحد اللهجات الرئيسية للغة الكردية فيما بعد وأثناء حكم هذه الإمارة ولد أحد أعظم الشعراء الأكراد وهوأحمدي خاني (١٦٥١ - ١٧٠٧) كاتب الملحمة الشعرية الكردية المشهورة مه م وزين.

كانت العمادية التابعة حاليا لمحافظة دهوك في العراق عاصمة هذه الإمارة وشملت هذه الإمارة أيضا مدينتي عقرة وزاخو وزيبار وعين سفني واجزاء من الموصل وأربيل. خاضت هذه الإمارة عدة صراعات مع العثمانيين والصفويين ولكن نهاية هذه الإمارة لم تكن على يد أي من هاتين القوتين بل على يد إمارة كردية أخرى منافسة وهي إمارة سوران في عام١٨٣٤  وفي عام ١٨٤٧ سيطر العثمانيون على هذه المنطقة وضموها لولايةالموصل، وذلك بعد مجازر بدر خان.

 مجازر بدر خان

هي عدة مجازر قام بها أميرا حكاري وبوهتان الكرديان، نور الله وبدر خان، بسكان منطقة حكاري وتياري من الآشوريين في النصف الأول من أربعينيات القرن التاسع عشر. أدت هذه المجازر إلى مقتل ما يقرب من١٠،٠٠٠  مسيحي وسبي آلاف آخرين، كما أدى التدخل العثماني بعد ضغط غربي إلى إسقاط آخر الإمارات الكردية شبه المستقلة سنة ١٨٤٧.

خلفية

ضعفت الدولة العثمانية بشكل كبير بحلول القرن التاسع عشر وعمت الفوضى أعالي بلاد الرافدين وكردستان، وبدا وكأن الإمبراطورية في طريقها إلى الانحلال بعد ثورة محمد علىوسيطرته على مصر وسوريا. وظهر حينئذ الأمير الكردي إبراهيم باشا الذي شمل سلطانه منطقة امتدت من ديار بكر إلى حلب فتحالف مع محمد علي وحارب عشيرة شمر العربية في الجزيرة الفراتية. بالرغم من فشل محمد باشا في حملته السورية إلى أن الأحداث اظهرت مدى ضعف العثمانيين وشجعت الآغوات الأكراد إلى محاولة زيادة سيطرتهم.

وشهدت تلك الفترة زيادة نفوذ البريطانيين في المنطقة وذلك استباقا لأي محاولة فرنسية للتدخل فيها على غرار حملة نابليون بمصر. وعين هرمز رسام الآثاري المسيحي من الموصل وعديل سفير بريطانيا بالمدينة جورج بادجر كمندوب لمد النفوذ البريطاني إلى مناطق العشائر الآشورية. وفتح ذلك الباب إمام المرسلين البروتستانت أمثال جستن بركينس وأسايل غرانت فقاموا بزيارة المنطقة في نفس الفترة، وقد أظهروا تعاطفا كبيرا مع مسيحييها.  ويبدو أن الأكراد لم يرق لهم وجود المرسلين كما أدى استقبال الآشوريين لهم إلى بدء الحزازيات بين الطرفين.


الصراعات الداخلية الكردية

اشتعلت الحرب في حكاري سنة ١٨٣٩839 بين نور الله أخ الأمير السابق الذي أقام في باش قلعة وسليمان ابن أخيه المتمركز في جلمرك، وكذلك انقسم الآشوريين في تحالفهم بحسب مناطق إقامتهم فدعم أغلبهم، بمن فيهم بطريرك كنيسة المشرق شمعون السابع عشر إبراهيم، سليمان باعتباره خلفا لوالده.

أخذ النزاع منحى دموي عندما انتصر نور الله على خصمه فقام بالهجوم على قرى الآشوريين ومقر البطريركية في قودشانيس سنة ١٨٤١، ما أدى إلى حدوث شرخ في العلاقات بين الأكراد والمسيحيين بشكل عام. بيد أنه لم يكن جميع الآشوريين متحالفين مع بطريركهم، حيث استغل البعض فرصة ضعفه ليتحالفوا مع نور الله

أدت الخلافات بين محمد باشا والي الموصل العثماني وآغا العمادية الكردي إسماعيل باشا إلى قيام الأول بالسيطرة على المدينة فاستنجد إسماعيل باشا بكل من بدر خان أمير بوهتان ونور الله فعقدوا حلفا لغرض محاربة والي الموصل ودعوا الآشوريون إلى الانضمام اليهم غير أن معظم هؤلاء بمن ضمنهم البطريرك رفضوا ذلك، وذلك بعد تلقيهم وعودا من والي الموصل بحمايتهم في حال وقوفه على الحياد. فهاجم الأكراد العمادية صيف ١٨٤٢. خلال انشغال الأكراد بحرب العثمانيين في الموصل هدأت الأوضاع في حكاري فقام المرسل غرانت ببناء مدرسة دينية في بلدة أشيثا المسيحية وقام بتزويدها بكتب سريانية من الموصل في أيلول سنة ١٨٤٢. وانتهت الحملة الكردية في نفس الشهر بفشل ألقوا باللوم فيه على رفض الآشوريين التدخل في الحرب. كما انتشر إشاعات بأن غرانت بنى قلعة قد تستعمل ضد الأكراد، فاحتج نور الله لدى والي أرضروم بالإضافة لذلك أصبحت نشاطات الإرساليين وانتشار هذه الأخبار مصدر توجس من والي الموصل نفسه الذي وصف في رسالة إلى الباب العالي قيام غرانت بمساعدة المسيحيين ببناء مبنى ضخم يحوي ما لا يقل عن ٢٠٠غرفة.
 

المجازر
في أوائل ١٨٤٣ أرسل نور الله طالبا مقابلة البطريرك غير أن الأخير اعتذر متحججا بالطقس وواجباته الدينية وحلول بادجر، أحد المرسلين الإنكليز، ضيفا عليه. ويبدو أن البطريرك اتخذ قراره بعد أن اقنعه بادجر بعدم الثقة بالأكراد وطلب المساعدة من الإنكليز أو الباب العالي في حالة قيامهم بأي عمل انتقامي. بمجرد سفر بادجر قام نور الله بالتحالف مجددا مع بدر خان وإسماعيل باشا، كما قاموا بالحصول على موافقة عثمانية عن طريق والي الموصل في مهاجمة المسيحيين.

في تموز ١٨٤٣ هاجم الحلف الكردي بقيادة بدر خان الآشوريين في حكاري فدمروا قراهم وقتلوا العديد منهم كما قاموا بسبي العديد من الآشوريين الذين تم بيعهم كعبيد بأعداد كبيرة في أسواق النخاسة. حاول هرمز رسام استعمال نفوذه لدى والي بغداد نجيب باشا للضغط على بدر خان لإطلاق سراح الأسرى بمن ضمنهم أقارب بطريرك كنيسة المشرق الذي كان قد التجأ إلى مدينة الموصل. غير أن محاولاته لم تؤدي إلا إلى تحرير حوالي ١٥٠ من ضمنهم أخت البطريرك بينما تم توزيع البقية كغنائم حرب بين الآغوات الأكراد والأتراك.

أعاد بدر خان الكرة وهاجم القرى الآشورية مرة أخرى سنة ١٨٤٦ وأعمل فيها المجازر، التي حازت على اهتمام الصحافة الأوروبية هذه المرة، كما ساهمت في إشهار معاناة المسيحيين العثمانيين. فقامت دول أوروبية بالضغط على الباب العالي للتدخل لوقف المجازر. وفعلا أرسل الباب العالي جيشا إلى المنطقة سنة ١٨٤٧ اشتبك مع الأكراد في عدة معارك انتهت بإلقاء القبض على كل من نور الله وندر خان ونفيهما سنة ١٨٥٠.

أدت هذه المجازر إلى مقتل ما لا يقل عن١٠،٠٠٠ آشوري، كما انهت الاستقلال الذي تمتعت به العشائر الآشورية في تلك المناطق الجبلية. وبالمقابل أدى التدخل العثماني إلى دم تلك الأنحاء للسلطة العثمانية المباشرة لأول مرة وتدمير آخر الإمارات الكردية شبه المستقلة.