حفصه
خــــــــــــــــانی
نقیبــــــــــــــی
هي شخصية كوردية
عالية الشأن في المجتمع الكوردي
المعاصر، ولدت في مدينة
السليمانية عام 1881م حيث نشأت و
نبغت في ظل اسرتها الدينية
المهيبة، فقد كان والدها الشيخ
معروف النقيب حفيد الحاج كاك احمد
الشيخ شخصية دينية و اجتماعية
مرموقة و سيدا معززاً لدى
المسؤولين العثمانيين الذين منحوه
لقب (النقيب) الذي اقترن بأسمه و
اسماء افراد اسرته من بعده.
وعلى دأب والدها الجليل اتسمت
حفصه خان بصفات حميدة كالشجاعة و
الجود وطيبة القلب و حلاوة اللسان
و سائر السجايا الحميدة الاخرى
التي جعلت منها سيدة عصرها الاولى
على صعيد السليمانية وكوردستان.
كما صار مضيفها الواسع ملاذ نساء
عصرها اللواتي كن يلجأن اليها
بقصد معالجة مشاكلهن الاجتماعية و
مصاعب حياتهن اليومية فصار مجلسها
بمثابة محل قضاء لحسم قضاياهن و
تأمين حقوقهن وتذليل معوقاتهن
الحياتية. و فضلاً عن ذلك بذلت
حفصه خان جهوداً حثيثة في مجال
تعليم و تثقيف نسوة عصرها و ساهمت
مساهمة فاعلة في ارساء دعائم اول
مدرسة كوردية خاصة بتعليم المرأة
في تاريخ امتنا، و كانت هي نفسها
من طلبتها و المبادرة باهداء دار
شخصية لها لتستغل كبناء لتلك
المدرسة الرائدة.
اجمالاً برعت حفصه خان في مجال
اسهاماتها و مبادراتها الخيرية
المتعددة التي كرستها لخدمة شعبها
وامتها فنشير هنا الى دورها
المتميز ضمن اللجنة النسوية التي
تشكلت في السليمانية اوائل عام
1942م بهدف جمع التبرعات لصالح
المحتاجين و المعوزين الذين
انهكتهم تبعات و ظروف الحرب
الكونية الثانية (1939-1945) وكما
اسلفنا.
لم تقتصر ابداعات و عطاءات حفصه
خان على المجالات التي ذكرناها،
بل ان قضايا النضال الوطني و
القومي شغلت ايضاً اهتمامها
كثيراً، اذ انها وقفت موقفاً
نضالياً مشرفاً من انتفاضات ابن
عمها الشيخ محمود الحفيد و تعرضت
مع زوجها الشيخ قادر الحفيد (ابن
عمها) و اقاربها الى الكثير من
المعاناة و المصاعب جراء
الاخفاقات التي تعرض لها الشيخ
محمود ولاسيما في اعقاب انتكاسة
انتفاضته الاولى و اسره ثم نفيه
الى الهند انذاك حيث عانت حفصه
خان و اسوة باقارب الشيخ الحفيد و
مقربيه من ظروف التشرد و ضنك
العيش داخل الحدود الايرانية رغم
الالتفاتة الودية التي خصها بهم
هناك المخلصون الغيارى من رجال
العشائر الكوردية الايرانية.
كما وجهت حفصه خان رسائل و نداءات
عدة الى احرار العالم للوقوف مع
حقوق و تطلعات شعبها الكوردي
المظلوم و بضمنها رسالتها الهامة
الموجهة الى عصبة الامم عام 1930م
بشأن تلبية المطالب القومية
العادلة للكورد و التي تنكرت لها
الحكومة العراقية و حليفتها
بريطانيا. ثم سلكت فيما بعد
موقفاً قومياً مشرفاً من جمهورية
كوردستان (مهاباد عام 1946) التي
ايدتها و ساندتها باخلاص منذ
ميلادها فأثنى عليها الزعيم قاضي
محمد بسبب ذلك و اعرب لها من خلال
رسالته الودية الموجهة اليها، عن
خالص الوفاء و الامتنان.
كما خصت حفصه خان زوارها و ضيوفها
القادمين اليها من مختلف ارجاء
كوردستان و العراق و دول الجوار و
اوروبا بالترحاب و الرعاية و
الحفاوة وبضمنهم عدد من
المستشرقين الذين قصدوها
للاستفادة من معرفتها و خبرتها
باحوال و شؤون المنطقة.
و الواقع ان حفصه خان كرست جل
عمرها من اجل مثلها و مبادئها
العليا و قيمها النبيلة التي امنت
بها و عملت من اجلها بأخلاص
طويلاً و ضحت في سبيلها بالكثير
من طاقاتها و ممتلكاتها، و ظلت
حتى نهاية عمرها الخير المبارك
نصيرة الفقراء و المحتاجين و
الغرباء و عابري السبيل الذين
اغدقت عليهم بسخائها المعهودة و
شملتهم باللطف و الود. ونستذكر
هنا موقفها الانساني النبيل من
السجناء البصريين القابعين في سجن
السليمانية الذين طلبوا منها
مساعدتهم في ذلك الظرف الصعب
المحيط بهم وهم غرباء و يبعدون
بمئات الكيلومترات عن اهلهم،
فبادرت حفصه خان و على دأبها
المعروف، بتلبية طلبهم و رعايتهم
طيلة وجودهم في السليمانية عهدئذ.
وجاء في نص رسالتها الموجهة اليهم
بهذا الشأن: "اعتبروا انفسكم
ضيوفي طيلة وجودكم في السليمانية
و اطلبوا مني ما يطلبه الابناء من
امهاتهم و انني هنا بمثابة امكم
الى ان تقر عيونكم بلقاء
امهاتكم".
هكذا عاشت حفصه خان دائبة على
الخير و العطاء و المواقف الوطنية
و الانسانية الرفيعة الى ان توفيت
باجلها المحتوم من جراء مرض
السرطان بتاريخ 15 نيسان عام
1953م ووري جثمانها الطاهر الثرى
في مقبرة (سةيوان) المطلة على
السليمانية بمهابة قبالة سفوح
طويذة و ازمر الخلابة.
*مستل من كتاب للباحث الكردي عمر
علي شريف بعنوان (استذكارات من
تاريخ الكرد الحديث) الصادر ضمن
مطبوعات مؤسسة الشفق الثقافية في
كركوك سنة 2005 |