العمل المسلح للكردي في إيران
Kurdish armed action in Iran
 

شهدت المنطقة التي يطلق الكرد عليها "كردستان"، في عشرينيات القرن العشرين أعمالا مسلحة للقوى الكردية لتأكيد وجودها وهويتها القومية، وكانت ترتفع وتيرة عملياتها العسكرية تارة وتنخفض تارة أخرى، وغالبا بحسب الظروف والمصالح الدولية والإقليمية.

وشهدت كردستان الإيرانية جزءا مهما من هذه الأعمال التي قادتها حركات عدة، حفظها الكرد كمحطات مهمة في تاريخهم.

حركة سيمكو:
 
شيخ قبيلة شكاك الكردية إسماعيل آغا سيمكو اتخذ بين عامي 1920 و1925 من كردستان الإيرانية الواقعة غرب بحيرة أرومية منطلقا لحركته المسلحة، وإلى جانب محاربته السلطات الإيرانية خاض حربا دامية ضد جيرانه الآشوريين إلى أن أخرجه الشاه رضا خان من تلك المنطقة واضطره لأن ينتقل إلى العراق.

ورغم ذلك استمر سيمكو في إدارة الحرب ضد القوات الإيرانية والتركية والعراقية، إلى أن دعي يوم 21 يونيو/حزيران 1930 للتفاوض مع ممثل القوات الإيرانية في مدينة شنو، حيث دبر الأخير له مكيدة قتله فيها.

حركة جعفر سلطان:

"مع انتصار الثورة الإسلامية شكل الكرد في إيران مليشياتهم الخاصة باسم "البشمركة" وبسبب رفض مرشد الثورة الخميني إعطاءهم حكما ذاتيا دخل الكرد في مواجهات مع القوات الإيرانية في كثير من المدن الكردية"

وفي خريف عام 1931، ظهرت في همدان حركة جعفر سلطان هورمان المسلحة، التي تم القضاء عليها بقسوة شديدة، وكان من نتائجها أن "اعترف" ممثل الكرد في البرلمان الإيراني بأن ليس ثمة مشكلة كردية، وأن الكرد يعتبرون أنفسهم إيرانيين، وقد منعوا من استعمال لغتهم أو من ارتداء زيهم القومي، وذلك تحت طائلة العقوبة.

حركة حمه رشيد:

وبعد حركة هورمان بحوالي عشر سنوات خرجت عام 1941 حركة قبلية مسلحة قادها الشيخ حمه رشيد خان، الذي استولى على مهاباد وإقليم ساقز- بانة، ولكن الجيش الإيراني ما لبث أن طرده فلجأ إلى العراق عام 1942، حيث ألقي القبض عليه. وعاد إلى إيران مجددا عام 1945 مع مجموعة من رجاله قوامها 200 فارس، ولكن حركته انتهت بدون أي نتائج تذكر.

مهاباد وحركة البرزانيين:

قامت جمهورية مهاباد الكردية على الجزء الشمالي من كردستان الإيرانية، وكان يتولى إدارتها السياسية زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني قاضي محمد علي قاسم، بينما تسلم القوات المسلحة الزعيم الكردي العراقي مصطفى البرزاني، الذي كان قد لجأ إلى مهاباد وقدم العون لكرد إيران.

ولكن الجمهورية الفتية لم تعمر طويلا، وسقطت بعد أشهر من قيامها بيد القوات الإيرانية، التي أعلنت الأحكام العرفية وقامت بتصفية مفاعيل هذه الدولة، وأعدمت عددا من رموزها وعلى رأسهم رئيس الجمهورية قاضي محمد وشقيقه صدر قاضي الذي كان عضوا في البرلمان الإيراني، وابن عمه سيف قاضي وزير دفاع مهاباد، إضافة إلى آخرين.

وبعد سقوط الدولة واصل البرزانيون مواجهتهم للقوات الإيرانية، وتعرضت مراكز إقامة عوائلهم للقصف بالطائرات، مما دفعهم للتوجه نحو العراق، حيث كانت القوات العراقية بانتظارهم واشتبكت معهم مما اضطرهم لأن يتركوا الأطفال والنساء في بارزان، بينما دخل الرجال -وعددهم خمسمائة- تركيا، ومنها عادوا مجددا إلى إيران لمواصلة حركتهم المسلحة إلى أن عبروا نهر أوراس ودخلوا الاتحاد السوفياتي لاجئين، ولم يعودوا للعراق إلا بعد قيام الثورة العراقية عام 1958.

المواجهة مع الثورة:

مع سقوط نظام الشاه، وانتصار الثورة الإسلامية شكل الكرد في ايران مليشياتهم الخاصة باسم "البشمركة"، وبسبب رفض مرشد الثورة الخميني إعطاءهم حكما ذاتيا دخلوا -وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني- في مواجهات مع القوات الإيرانية في كثير من المدن الكردية، التي تعرضت لهجمات عنيفة من الحرس الثوري الإيراني مما اضطر البشمركة لأن تلجأ للجبال.

ولما نشبت الحرب بين العراق وإيران عام 1980 تلقى كرد إيران دعما من العراق، واستمرت المواجهات بين الطرفين خلال التسعينيات تعرض خلالها الكرد لنكسات عدة، وتخللتها مفاوضات في بعض الأحيان، ولكن الوضع في نهاية المطاف استقر للسلطات الإيرانية وأصبحت المواجهات المسلحة في المناطق الكردية الإيرانية متقطعة وغير ذات أهمية، وتعرض في هذه الفترة عدد من زعماء الكرد في الخارج للاغتيال من أبرزهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني عبد الرحمن قاسملو.

اللحظة المؤاتية:

"المثلث الحدودي الذي يمتد ما بين العراق وإيران وتركيا يمثل فضاء كرديا حرا نسبيا، ولا تعوزه إلا لحظة مؤاتية قد توفرها القوات الأميركية الجاثمة في العراق، وتحديدا من كردستان العراق"


بعد سقوط بغداد وقدوم الحكومة العراقية الجديدة وتمتع كردستان العراق بحكم ذاتي معترف به، أعطت هذه الأوضاع دفعا لكرد إيران الذين يتخذون من الشريط الحدودي الإيراني العراقي أرضا لمعسكراتهم، وكثر الحديث عن هجمات متفرقة تتعرض لها القوات الإيرانية، في الوقت الذي أكد فيه بعض قادة الكرد ولا سيما الحزب الأبرز الحزب الديمقراطي الكردستاني أنهم يمتلكون بشمركة خاصة بهم وأنها تعمل وفق ظروفها الخاصة.

واللافت أن إيران قامت مؤخرا -في النصف الثاني من شهر أبريل/نيسان 2006- بقصف مواقع لكرد إيرانيين في أراض تابعة لمحافظة أربيل عاصمة كردستان العراق.

وقالت مصادر كردية عراقية إن كردا إيرانيين يتخذون من المناطق الحدودية العراقية مع إيران منطلقا لهم، أخترقوا الحدود ودخلوا في مواجهات مع القوات الإيرانية.

بينما صرح للجزيرة نت شمرخ جيايي وهو عضو في حزب الحياة الحرة الكردستاني، بأن إيران قامت بالتعاون مع الحكومة التركية على الحدود العراقية بالهجوم على قوات حزب الحياة الحرة الكردستاني وقصف معسكراته، وأن حزبه استطاع أن يكثف من نشاطاته السياسية والعسكرية فيما وصفه "كردستان الشرقية".

وذهب بعض التحليلات إلى أن الضربة وقائية في بعض وجوهها، وأن إيران تخشى أن يتعاظم العمل العسكري الكردي في الفترة المقبلة، خاصة أن التحركات الشعبية بين كرد إيران قد تسارعت وتيرتها نسبيا وفي توقيت يثير الريبة، إذ إن إيران تخوض معركة دبلوماسية مع الغرب بسبب مسألة تخصيب اليورانيوم، والتهديدات التي تحيط بها تثير المخاوف من دور لكرد إيران يماثل أو يقترب من الدور الذي لعبه نظراؤهم في العراق.

أضف إلى ذلك أن المثلث الحدودي الذي يمتد ما بين العراق وإيران وتركيا يمثل فضاء كرديا حرا نسبيا، ولا تعوزه إلا لحظة مؤاتية قد توفرها القوات الأميركية الجاثمة في العراق، وتحديدا من كردستان العراق.