العمل المسلح للكردي
تركيا
تشكل منطقة كردستان ربع مساحة تركيا ويشكل الكرد خمس سكانها، وتشكل مساحتهم أكبر فضاء كردي بالمقارنة مع فضاءاتهم في الدول الأخرى (العراق وإيران وسوريا) كما يشكلون أكبر أقلية عرقية بتركيا. وقد عرف وضع كردستان تركيا العسكري تطورات وتقلبات عديدة من ظهور الجمهورية في عشرينيات القرن الماضي مرورا بعهد الانقلابات في السبعينيات وانتهاء بالعهد التعددي الراهن.
بداية العمل الكردي المسلح ظل التفاهم والأمل يطبع علاقة الرئيس مصطفى كمال بالكرد حتى سنة 1923 حيث شاركوا إلى جانبه في حملاته ضد اليونان، كما وعدهم وعودا سياسية تتجسد في تطبيق بنود معاهدة سيفر التي تعِدُ -وفق شروط معينة- بكردستان مستقلة، وفي أقل الأحوال حكما ذاتيا. غير أن انتصارات مصطفى كمال العسكرية على اليونان والأرمن وغيرهم دفعته إلى إلغاء اتفاقية سيفر وتوقيع اتفاقية لوزان المكرسة للانتصار التركي والموقعة يوم 23 يوليو/تموز 1923، والتي ينص أحد بنودها على تراجع تركيا عن منح الكرد حكما ذاتيا. ومع نهاية 1923 بدأ التمرد الكردي المسلح، فما إن تسمى الرئيس مصطفى كمال بلقبه "أتاتورك" الذي يعني "أبو الأتراك" حتى بدأ في تطبيق سياسة التتريك وما انجر عنها من إدماج الكرد أو "أتراك الجبل" كما يشيع في الأدبيات التركية. وشكل زعماء القبائل الكردية قادةَ الثورة ضد الجيش التركي، وقد حركت ثورتَهم سياسة أتاتورك الداعية إلى إبعاد الدين الإسلامي وإعلاء شأن القومية الطورانية، ومن سنة 1925 إلى 1938 عرف منطقة كردستان تركيا ثلاث ثورات كبيرة:
وقد واجهت تركيا الكمالية هذه الثورات بقمع ساحق، وسار حكام تركيا بعد ذلك على نهج أتاتورك في تعامله مع الكرد. ففي مارس/ آذار 1971 قضى التدخل العسكري التركي على المجموعات الثقافية والسياسية التي أخذت تتكاثر في الأقاليم الكردية.
حزب
العمال الكردستاني ومواصلة الصدام أعلن عن إنشاء حزب العمال الكردستاني (PKK) يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 واختير عبد الله أوجلان رئيسا له. ويعرف عن الحزب توجهه الماركسي اللينيني؛ ومن أهدافه الجوهرية إنشاء دولة كردستان الكبرى المستقلة. وقد تحول الحزب بسرعة من مجموعة قليلة من الطلاب الماركسيين غير المؤثرين في الساحة السياسية الكردية، إلى أهم تنظيم سياسي يقود عملا مسلحا يحظى بتعاطف الكثير من كرد تركيا وخصوصا العمال والمثقفين والفلاحين. ومنذ سنة 1984 بدأ الحزب نشاطه العسكري داخل كردستان، وقد أعانت تضاريس المنطقة الوعرة متمردي الحزب في حربهم ضد الجيش التركي. وقد اتخذوا من كردستان العراق منطقة تحمي قواعدهم الخلفية، كما أقاموا تحالفا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة البارزاني. وكانت الحكومة التركية قد أعلنت عن تطبيق قانون الطوارئ في الأقاليم الكردية سنة 1979 وقررت التدخل العسكري المباشر في المنطقة منذ سبتمبر/أيلول 1980. وقد تجاوز عدد عناصر جيش حزب العمال في التسعينيات 10 آلاف مقاتل. ورغم التوجه اليساري للحزب فإنه لم يحصل على تمويل من المنظومة الاشتراكية بل اعتمد في تمويل عملياته وإعداد مقاتيله على مصادره الخاصة، وتتهمه الأوساط التركية بأن تمويله مشبوه وغير شرعي. وكان عقدا ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أكثر فترات الصراع بين الأكراد والجيش التركي دموية، فقد قام الجيش التركي بتعقب المسلحين واتهم بتدمير آلاف القرى الكردية وتهجير العديد من الأسر إلى داخل تركيا. كما تذهب بعض الإحصاءات إلى أن مجموع من قتلهم المسلحون الكرد يبلغ 40 ألف شخص. ولم تقتصر عمليات مسلحي حزب العمال العسكرية على الجيش التركي بل شملت المدنيين أتراكا وكردا وخصوصا المتعاونين مع الحكومة التركية، كما شملت بعض السائحين الأجانب. وقد وجهوا ضرباتهم لبعض المصالح التركية في البلدان الغربية.
اعتقال
أوجلان والعمل المسلح ومنذ اعتقال ومحاكمة أوجلان أخذت القضية الكردية بما فيها العمل العسكري منعطفا جديدا وإن لم يستمر، من أبرز معالمه:
وقد أدرج حزب كاديك أو كونغرا جيل (الصيغة الجديدة لحزب العمال الكردستاني) ضمن قائمة المنظمات الموضوعة أوروبيا وأميركيا على لائحة التنظيمات الإرهابية. وكان عثمان أوجلان الأخ الأصغر لعبد الله أوجلان قاد الحزب، ثم انشق عنه مشكلا حزب الوطنيين الديمقراطيين الكرد ذا التوجه القومي والمتبني النهج السلمي لحل القضية الكردية. ومنذ يونيو/حزيران 2004 عاد الوضع العسكري في منطقة كردستان تركيا للتأزم بعد خمسة أعوام من الهدوء، فاستأنف المسلحون الكرد الهجوم على الجيش التركي، وظهر تنظيم عسكري جديد أطلق عليه اسم صقور الحرية بكردستان، تصفه تركيا بكونه استمرارا لحزب العمال الكردستاني.
|