يمكن تعريف المجتمع، بأنه كيان جماعي من البشر، بينهم شبكة من التفاعلات والعلاقات الدائمة والمستقرة نسبياً، والتي تسمح باستمرار هذا الكيان وبقائه وتجدده في الزمان والمكان. وينطبق هذا التعريف على الشعب الكردي بكونه مجتمعاً مثل أي مجتمع بشري آخر، بما يتوفر له من المقومات الأساسية، كالوطن، البيئة، السكان، التنظيم الاجتماعي، مؤسساته التي تفاعلت فيما بينها وبين المجتمعات الأخرى عبر التاريخ.

مظاهر المجتمع الكردي

يقطن الكرد في الشرق الأوسط من آسيا الغربية، وهذه البقعة التي يطلق عليها كردستان منذ القرن الثاني عشر تعد موطنهم التاريخي وإن لم يجر الاعتراف بها كدولة، ويمثل هذا الوطن عنصرا أساسيا لوجود المجتمع الكردي كسائر المجتمعات الأخرى.

ومنطقة كردستان هي عموما جبلية وعرة وقاسية وقد أثرت العوامل الطبيعية على تطور ورقي كردستان، وكان لها أثران: فمن ناحية ساعدت الشعب الكردي على الاحتفاظ بهويته، ولغته وتقاليده وثقافته على مر القرون، رغم كل الغزوات العربية والتركية والفارسية لأراضيه واحتلالها، ومن ناحية أخرى عزلته إلى حد كبير عن المدنية. رغم  أنها -أي المدنية- بدأت في كردستان كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين.

"تطور الكرد بالتفاعل مع طبيعتهم الجبلية الصعبة التي فرضت أنماطا قبلية وساعدتهم على الاحتفاظ بهويتهم لكنها عزلتهم إلى حد كبير عن المدنية"

ومن الصعب تقدير العدد الدقيق لسكان كردستان إلا أن بعض الدراسات تقدرهم بنحو٤٠ مليونا، وهؤلاء السكان الموزعون بين أربع دول بصفة أساسية، تطوروا اجتماعيا بفعل عوامل عديدة منها التفاعل مع الطبيعة التي ميزت موطنهم وهي تتوزع على مناطق جبلية، وسهول، وأودية، وهو التنوع الذي أوجد سمات أيكولوجية خاصة في كردستان يمكن إجمالها فيما يأتي:

  1. قيام حياة رعوية ارتبطت بشكلٍ مباشرٍ بتأثير الطبيعة وما يرافقها من طغيان الأنماط القبلية والتنقل والغزو والفروسية، وكذلك الكرم والشجاعة وغيرها من الصفات أو السمات الشخصية فضلا عن الحياة الزراعية الريفية، وحياة حضرية تجارية إدارية في المدن.
  2. تنوع الشعوب والثقافات التي قطنت هذه المنطقة إلى جانب الكرد والتي تمازجت عبر التاريخ من آرية وسامية، وعربية وأرمنية وتركمانية وآشورية وكلدانية، مما أدى إلى تكوين مجتمع تنوعي، وهذا التنوع في حد ذاته قد يكون مصدر ثراء ثقافي للمجتمع، ولكنه قد يكون أيضا مصدر توتر كامن أو ظاهر.
  3. نشوء أقاليم لها مزاياها الخاصة بعد تقسيم كردستان بين العراق وإيران وتركيا وسوريا وأرمينيا، من حيث العادات والتقاليد والأعراف، وتأثرهم بثقافة بلدهم المحتل، ورغم وجود أقاليم عديدة للمجتمع الكردي فإنها امتداد واحد من الناحية الجغرافية.
  4. ظهور ديانات ومذاهب عديدة، منها الديانات التوحيدية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية) وظهور مذاهب أخرى غير إسلامية كاليزدية والكاكائية والعلية وغيرها، مما شكل متحفاَ اثنوغرافياَ.
  5. تزايد أهمية كردستان اقتصادياً وحضارياً وسياسياً خاصة بعد الانتفاضة الربيعية والهجرة المليونية عام ١٩٩١ إلى تركيا وإيران وسوريا إلى حد ما من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب موارده المعدنية كالنفط وغيرها.

العادات والتقاليد
العادات والتقاليد، هي حصيلة التطور التاريخي والحضاري للأفراد والزمر الاجتماعية في البيئة الكردية، وقد استقرت عليها منذ الأزمنة القديمة وحتى الآن، إلا أن هناك اختلافا في بعض نواحيها حسب اختلاف البيئات الجغرافية الكردية .

"يحترم الكرد أبناء العائلات النبيلة وأحفاد المناضلين حتى وإن كانوا غير فاعلين بحد ذاتهم كما أن عادة الثأر تشمل الفرد وعائلته ولا تلزم قبيلته"

ومن التقاليد التي رصدها المستشرقون والرحالة عند المجتمع الكردي، وأوردها (تومابوا) احترام العائلات القديمة النبيلة، وفي الواقع فإن ملاحظة هؤلاء المستشرقين صائبة ولم تزل قائمة، إذ ما زال المجتمع الكردي ينظر بإجلال كبير إلى أحفاد رؤساء الأسر التي ناضلت من أجل الشعب الكردي في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، رغم أن هؤلاء الأحفاد ربما لم يبذلوا شيئاً يُذكر تجاه قومهم. لكن المجتمع مازال ينظر إليهم كأحفاد لسلالة طيبة، ومثل هذا ينسحب على أحفاد الأسر الدينية أو أحفاد رؤساء العشائر والوجهاء، رغم أن هؤلاء الأحفاد لا ثراء لهم اليوم. إن مثل هذا السلوك يمثل وفاء من الكرد إزاء قادتهم السياسيين أو الدينيين أو الاجتماعيين.

وهناك عادة أخرى في المجتمع الكردي، وهي عادة (الثأر) وإن اختفت كلياً في المدينة، وبقيت إلى حد ما في القرى، فالثأر الكردي هو مظهر من مظاهر الانتقام الذي يلجأ اليه الشخص المعتدي عليه. وخلافاً للثأر العربي أو الثأر العشائري بوجه عام، فإن الثأر الكردي مسؤولية عائلية وليس عشائرية أو نسبية كما في المجتمع العربي، أي أنه مسؤولية الأقرباء الأقربين فقط. ويمكن أن يعزى ذلك إلى تأثير العامل الجغرافي، فالانعزال الجغرافي للقرية والبناء الطبوغرافي الوعر للمنطقة قد جنب مجتمع القرية تبني سياسة الانتقام من أجل الفرد.

أما ظاهرة تعدد الأبناء، فما زالت لها قيمة أساسية في المجتمع الكردي الحضري بصورة عامة وفي المجتمع الريفي بصورة خاصة، وتفضيل الأبناء الذكور على الإناث شائع أيضاً. ولا تستطيع المرأة أن تأخذ وضعها الاجتماعي والنفسي إلا بعد إنجاب الابن الوارث. وتقاس قوة الأسرة عن طريق أبنائها الذكور. وفي إطار سيطرة هذه القيمة خضعت المرأة لهذه القيمة ولديناميات السوق، فقد تؤدي حالتها إلى الطلاق إذا لم تنجب طفلاً ذكراً في كثير من الأحيان.