الكرد في تركيا
 Northern Kurds

أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بداية مايو/ أيار 2006، متحدثا عن الأقلية الكردية في تركيا، أن حكومته ستعمل على إصلاح ما اعتبرها أخطاء الماضي، إشارة منه إلى السياسة القسرية لإدماج الكرد في النسيج الاجتماعي والسياسي التركي التي استمرت أزيد من ثمانين سنة. وتتفق أغلب المصادر على أن كرد تركيا هم أكبر الأقليات الموجودة في هذا البلد، وتقدر بعض تلك المصادر نسبتهم بـ20% من سكان البلاد البالغين 70 مليونا. ولم تتغير النظرة الرسمية التركية للكرد منذ عهد الرئيس كمال أتاتورك وظلت تسير على نفس الوتيرة قبل الإعلان الأخير لأردوغان. 

الدمج والجمهورية الكمالية

"أطلقت حكومة مصطفى كمال أتاتورك تسمية "أتراك الجبل" على الكرد تعزيزا لسياسة التتريك وتذويبا للطابع القومي الكردي"

 ظلت مسألة ادماج الكرد في تركيا غائبة في ظل الإمبراطورية العثمانية بحكم كونهم مسلمين كغالبية رعايا تلك الدولة، غير أن هذه المسألة ظهرت بشكل لافت مع بروز الجمهورية التركية "الكمالية". إذ يرى المؤرخون أن الرئيس التركي كمال أتاتورك، رغم أنه تحالف في البداية مع الكرد ووعدهم بوعود تتعلق بمصيرهم السياسي، إلا أنه في النهاية أعلى شأن القومية "الطورانية" وما تقوم عليه من تتريك للشعوب غير التركية، فدخل في صراع مع القوميات الأخرى في تركيا وعلى رأسها الكرد.

  ومن مظاهر سياسة إدماج الكرد في عهد أتاتورك:

  1. إطلاق حكومة أتاتورك تسمية "أتراك الجبل" على الكرد كتغييب ونفي لتميزهم القومي.
  2. تدريس الفولكلور التركي في المدارس ليكرس واقع التتريك، ويزيل الفوارق الثقافية والعرقية على حساب الثقافة الكردية.
  3. تهجير بعض العوائل الكردية إلى غرب تركيا ليؤدي ذلك إلى إدماجها في المجتمع التركي. 
  4.  
  5. مشاركة الإعلام التركي بشكل كبير في الترويج للطابع التركي، وفرضه على جميع مكونات المجتمع وأعراقه.

الدمج في عهد العسكر

 "تتهم تركيا في أدبيات المعارضة الكردية بتهجير 3 أعداد كبيرة من الكرد عن مناطقهم وتدمير قراهم"

ظلت سياسة إدماج الكرد في النسيج السياسي والاجتماعي التركي مستمرة منذ العهد الكمالي. وقد أصدرت حكومة الانقلاب العسكري التركي عام 1980 والتي خاضت حربا مريرة مع المقاتلين الكرد، عددا من القرارات التي تنحو نحو مزيد من إدماجهم، ومن هذه القرارات:

  • منع استخدام اللغة الكردية في مؤسسات الدولة.
  • تغيير أسماء القرى والبلدات الكردية.
  • الإجبار على التسمية بأسماء تركية.
  • حل الأحزاب ذات التوجه الكردي.
  • السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات لمن ينتهك هذه القوانين.

وفضلا عن هذه القوانين فإن الدستور التركي لا يقبل بالوجود السياسي للقوميات داخل تركيا. وتتهم تركيا في أدبيات المعارضة الكردية بتهجيراعداد كبيرة من الكرد من مناطقهم وبتدمير قراهم.
في مارس 1981 سجن شرف الدين ألصي الوزير في حكومة بولند أجويد ثلاث سنوات لأنه أعلن عن انتمائه االكردي. كما تمت المتابعة القضائية للمغني التركي ذي الأصول الكردية إبراهيم تاتليسس عندما غنى بكلمات كردية في حفل غنائي بباريس سنة 1988.

 الدمج بين النجاح والإخفاق 

"خلقت سياسة الإدماج طبقتين هما: كرد المدن المندمجون وكرد الأرياف والجبال المتمنعون على الاندماج، وقد تولد عن هذا صعوبة الاتصال اللغوي بين الطبقتين"

 تذهب بعض الدراسات إلى أن التحضر الذي فرض على الكرد في المدن التركية ولد أجيالا أصبحت تحت تأثير الإعلام والمدارس والتمدن ذات ثقافة تركية. بينما حافظ كرد الأرياف والجبال الواقعة جنوب شرق تركيا على هوية كردية خالصة.

وحسب إحصاء أجري سنة 1995 فإن ثلثي كرد تركيا يتداولون لغتهم الأم في بيوتهم فقط، ويستعملون اللغة التركية في المحلات العمومية. وحسب نفس الإحصاء فإن اللغة الكردية صارت في المرتبة الثانية بعد التركية عند أبناء الطبقة المتوسطة من ذوي الأصول الكردية تجارا وعمالا ومثفقين. وقد تولد عن هذا صعوبة الاتصال اللغوي بين كرد الجبل وكرد المدينة.

غير أن تغير طبيعة الوضع عما كان عليه بعهد تركيا الكمالية في الثلاثينيات وفي عهود الانقلابات التركية في السبعينيات والثمانييات، بشكل جذري. فالتوجه العالمي الذي يجد صدى قويا في تركيا بحكم تعلقها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، قد أخذ في التبلور. وقد صارت المطالبة بتكريس حقوق الكرد الثقافية والاجتماعية والسياسية أمرا ملموسا. كما أثر وجود استقلال ذاتي موسع لإقليم كردستان العراقي على اندماج الكرد في تركيا.

ومن مظاهر تراجع سياسة الدمج:

  • ظهور منشورات (جرائد ومجلات وكتب) باللغة الكردية في تركيا، مع أنها محظورة نظريا.
  • سماع الأغاني الكردية بشكل مألوف في المناطق ذات الكثافة الكردية.
  • سمح بالترافع أمام القاضي باللغة الكردية إذا كان المتخاصمان أو أحدهما لا يعرف سوى الكردية.
  • استعمال الأسماء الكردية بعد أن كانت محظورة.

غير أن التعليم في جميع المدارس ما زال مقصورا على اللغة التركية فضلا عن التشدد أزاء أي مظهر يبرز البعد  القومي الكردي.

أردوغان والمشكل الكردي

وتعتبر تصريحات رئيس وزراء تركيا أثناء زيارته لديار بكر بداية شهر مايو/ أيار الجاري تحولا في سياسة التعامل الرسمي مع قضية كرد تركيا. ويرى بعض المحللين أن القضية الكردية في تركيا ربما تشهد انفراجا سيكون من أبرز مظاهره التخلي عن المواجهة العسكرية بين الجيش التركي والكرد المسلحين، وفتح الباب أمام إصلاحات سياسية وعلاج المشاكل الاقتصادية والثقافية في كردستان تركيا.