الشاعر بيره ميرد.. الرومانتيكي الوطني



ولد الشاعر والأديب والصحفي الكردي الحاج توفيق بن محمود أغا بن حمزة أغا المصرفي والمعروف باسم بيره ميرد في السليمانية عام 1867.
تلقى تعليمه الابتدائي على يد رجال الدين في المساجد التي كانت المجال الوحيد للتعليم كما كان الحال بالنسبة للشعراء الكرد الكلاسيكيين أيامئذ.

· عام 1898 سافر الى تركيا حيث أكمل الدراسة العسكرية العالية وكلية الحقوق في استانبول، وتقلد العديد من المناصب والمسؤوليات في جهاز الحكم العثماني.· عام 1908 بعد حل المجلس العالي لمدينة استانبول وإعلان المشروطية، وكان شاعرنا عضوا في المجلس المذكور، بدأ مزاولة المحاماة والصحافة.

· في هذه الفترة ساهم بنشاط في أعمال ونشاطات "عصبة الأكراد" وهي مجموعة قومية كانت تضم المثقفين الكرد في تركيا بزعامة الشيخ عبد القادر عبيد الله. وقام "بيره ميرد" بالإشراف على إدارة المجلة الناطقة باسم هذه العصبة، وكان اسمها مجلة "كورد"، ومارس الكتابة والمراسلة مع صحف أخرى تحت توقيع "س. ت".

· في 1918 شغل منصب متصرف لواء أماسيه في تركيا، وبعد تشكيل الحكومة العراقية وانضمام كردستان الجنوبية إليها عاد الى السليمانية.

· كانت أول وظيفة رسمية شغلها "بيره ميرد" بعد عودته الى العراق، إدارة جريدة – زيان – عام 1926 وكان قد سبقه الى ذلك الصحفي الكردي – حسين ناظم – وحينما توفي عام 1933 أصبح "بيره ميرد" هو المسؤول المباشر عن إصدارها.

· استبدل اسم الجريدة، بعد الحصول على امتيازها، الى – زين – وظل يصدرها حتى وفاته أواخر حزيران 1950 حيث قدم خدمات جليلة في ميدان الصحافة والأدب الكرديين رغم صعوبة الظروف والإمكانيات، ولعب دورا بارزا في إحياء عيد الشعب الكردي القومي – نوروز – فكان، كل عام، في طليعة الداعين والعاملين للاحتفال به.

· مرّ شاعرنا في تطوره الفكري والأدبي بمراحل مختلفة تبعا لتطور العلاقات الاجتماعية في المجتمع الكردي، يقول د.عز الدين مصطفى رسول:
"لقد بدأ بيره ميرد رومانطيقيا وتخلص من عبودية الكلمة والشكل القديم للشعر، وان شابت نتاجه لمسات مترعة بالخيال والعاطفة الجياشة لكنه تحول بعدها الى أحضان الخيال التصوفي والمديح الديني وهما من مميزات الشعر الكلاسيكي.

كان بيره ميرد يتناول حتى الغرض الكلاسيكي بإبداع، حيث عبّر عن مكنون أفكاره بصورة بعيدة عن التقيد بحرفية الكلمة واختناق الوزن العروضي مستخدما شكله الذي استمده من أوزان الهجاء الفولكلوري. واستمر بيره ميرد شاعرا رومانطيقيا رغم نمو الصراعات الاجتماعية والقومية وانعكاس هذا النمو والتطور في ظهور الشعر والأدب العراقي الحديثين في المجتمع الكردي".

كان "بيره ميرد" معبرا عن المرحلة التي مر بها شعبه، دون تفهم لطبيعة العلاقات السائدة، غارقا في همومه التصوفية وخيالاته الظامئة وذكرياته من الزمن المثقل بالأحزان:

(سآخذ معي ذكرى الحسان الى التراب
سأبكي "مافول" بعينين دامعتين
سآخذ حسرة الوطن الى التراب)

وحيال عجز الإقطاعيين والطبقات الرجعية وزوال دورهم التاريخي ولعدم ثقته بدور وقيم الطبقات والفئات الجديدة يتساءل الشاعر عمن يقوم بالدور القيادي في المرحلة الجديدة:

(الآن،
حيث طرق الرحيل فسيحة منبسطة أين سيد القوم ليقود القافلة؟)

وبدأ "بيره ميرد" ـ نتيجة لتأثير وانعكاس الواقع الموضوعي الملموس ـ بالتقرب من هذا الواقع باحثا ظواهره ومحتواه على ضوء الصراع الدائر المتجسد في الانتفاضات والثورات والتضحيات التي قدمها شعبنا الكردي، متخطيا بذلك المواقع الرومانطيقية باتجاه الواقعية.

ولم يظل "بيره ميرد" الى نهاية عمره في حيرته وبكائه، فقد سبقه الشعب بتجربته النضالية وفي تقديم الحقائق التاريخية حول القيادة التي تأخذ بيد الشعب الى ربوة الانتصار. فبعد وثبة الشعب العراقي في كانون الثاني 1948، تراه يهجر البكاء، وتتجمد دموعه هذه المرة عند قبور الكوكبة الجديدة من الشهداء الذين طالما أطال البكاء عندهم:

(لا يجوز البكاء والعويل على شهداء الوطن
لن يموتوا، إنهم في قلب الشعب يعيشون
سنوات مضت،
والى سنة خلت،
كانت ورود آمالنا تسحق تحت الأقدام،
وكانت دماء الشباب تسقي الورود الحمراء في الربيع النامي)

كان بيره ميرد شاعرا مبدعا دافع بثبات عن قضية شعبه العادلة في قصائده الرائعة ونتاجاته الأدبية الوفيرة. وكم تطلع شعبه ليوم ينصب تمثال له في إحدى ساحات مدينته، فصار له تمثال، ولكن النظام المباد ستره بجدار حال دون رؤيته، حتى اندلعت الانتفاضة الشعبية في آذار 1991 فأزاحت الجدار البغيض وأطلقت اسمه على مدرسة وشارع ومشفى، وصار ضريحه يتباهى على تلة (مامه ياره) في محيط السليمانية، يتباهى بانتصار إرادة شعبه وبغفوته بين المروج التي كان يهوى.