انتهاك الوعود
Violating promises

 

ولم تر معاهدة سيفر النور، وذلك –حسب رأيي- للأسباب الآتية:

أولاً: صعود نجم "مصطفى أتاتورك" والحركة الكمالية، وتوسيع مناطق نفوذها، إضافة إلى تأسيس المجلس الوطني الكبير في أنقرة بديلاً لسلطة الأستانة.

"تراجع الغرب عن وعوده للكرد في معاهدة سيفر وتناساهم في معاهدة لوزان التي جاءت لصالح ما أرادته تركيا الكمالية"

ثانياً: خوف الدول الأوروبية، وبالأخص بريطانيا، من استغلال الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي الصراع الكمالي-الأوروبي لصالح نفوذهم في المنطقة.

ثالثاً: ذكاء مصطفى كمال باستغلاله الصراع الدولي لإلغاء معاهدة سيفر وقبرها.

لذلك لم يمر عام ونصف العام على توقيع معاهدة سيفر حتى طرحت فكرة إعادة النظر فيها، وجاءت هذه المواقف من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذ المجلس الأعلى للحلفاء قراراً بهذا الشأن يوم (25 يناير 1921) إضافة إلى توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور المؤتمر القادم، الأمر الذي دلّ على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا.

مؤتمر لندن (1921)

عقد مؤتمر بلندن في فبراير/ شباط 1921 لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث اعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية، لكن الحكومة التركية أصرت على أن المسألة داخلية، يمكن حلها داخلياً، لا سيما وأن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك، وأثناء انعقاد مؤتمر لندن، عقدت حكومة أنقرة عدداً من الاتفاقيات الدولية التي كرست الشرعية الدولية القانونية للنظام الجديد في تركيا… ثم قامت الحكومة الجديدة بإلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها حكومة الأستانة ومن ضمنها معاهدة سيفر. كل ذلك أدى إلى تعزيز مكانة الحكومة التركية الجديدة.. وبذلك فشل مؤتمر لندن لتوجه ضربة إضافية للآمال القومية الكردية.

معاهدة لوزان (1923)
جاءت فكرة عقد معاهدة لوزان بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الحكومة التركية الجديدة على الجيش اليوناني، وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وقامت الحكومة الجديدة بتحسين العلاقة مع جارها الاتحاد السوفياتي، وعقدت مباحثات المعاهدة على فترتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت الفترة ذاتها ما بين ربيع وصيف عام 1923.

ونصت معاهدة لوزان على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر، وعدّ الكرد هذه المعاهدة ضربةٌ قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم… وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي ولا سيما الحكومة البريطانية التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل -التي يشكل الكرد فيها الأغلبية المطلقة- بالعراق.

وأدى كل ذلك إلى ازدياد المشكلة الكردية تعقيداً بعد أن أصبح الشعب الكردي موزع عمليا وقانونيا بين أربع دول بدل دولتين، لتزداد معاناته وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة طغى عليها التوتر والعنف الذي لم يجد حتى اليوم حلولا عادلة، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكردية تتشكل لكي تقود النضال والكفاح من أجل حق تقرير المصير.