سطور من سيرة مناضل كرمياني الشهيد
د. آتيلا آري كاكه يي - ستوكهولم من خلال متابعتي لصوت کوردستان وما يکتب عبر هذا الجسر المتين ألذي يربطنا بالناس الشرفاء في کافه أرجاء المعموره،أحس أحيانا و کأننا ننتمي الی عائلة واحدة دون أن يعرف واحدنا الآخرعن قرب.ذات مرة وأنا أقرأ مقالات ألأخ قيس قره داغي و خاصة حول المدن الکردية والتطرق الی الشخصيات والأفراد الذين لعبوا دورا بارزآ في نضال شعوبهم دون أن يکونوا مشهورين حتی العظم..عادت بي' الذاکرة الی گرميان عام ١٩٨٧ وأنا أخطوا خطوات ثقيلة بين قريتي (ميوه گه) و (هه واره به رزه) بعد أن أدرکنا التعب والأجهاد بسبب الجري لساعات طويلة وکان رفيق سفري هذه المره الصديق الشهيد کريم أبراهيم حيدر والمعروف ب (ملا آواره)وکان من أحد أبرز الشعراء الشباب آنذاك وهو من قريه (کاني ماسي / خانقين)التي تعرضت الى عمليات التعريب و التخريب التي شملت معظم المدن الکردية عام ١٩٧٥.. کنا متوجهين الى( هه واره به رزه)لغرض اللألتقاء ببعض ألأخوة من التنـظيم الداخلي....بعد وصولنا القريه والترحاب بنا من قبل الحاج محمود (مختار القريه)وعائلته والکثيرين من أهل القريه الذين أغنوا ديوانه حتی وقت متأخر من الليل وکان الحاج محمود أحد المقربين للشهيد ملا آواره وهو من الناس الطيبين ألذين خدموا ألپێشمه رگه من کافة التظيمات دون أستثناء..في اليوم الثاني ونحن بأنتظار الأخوه من الداخل طرق أحدهم الباب لقد جرحوا الراعي يا حاج(فجوا رأسه) فهموا الجميع والبنادق في أيديهم مسرعون بأتجاه أطراف القرية ، سألت أحدهم للتوضيح(أي راع وأي جرح) فأجاب بأن راعي القريه المقابله جاء بقطيع أغنامه الى مرعى قريتنا فأوقفه راعي قريتنا، فقذف راعي القريه المقابله وهم من عشائر(لێ خوره)بحجاره وفج(فشخ)رأس راعينا. قلت لهم لماذا کل هذا الصراخ و العويل؟يمکن معالجة الموضوع والتفاهم بهدوء..لقد سبقونا أبناء الحاج ونحن نهرول وراءهم لغرض ايقافهم تجنبا لوقوع کارثه کبری،أثناء دخول أبناءالحاچ الی وادي يفصل القريتين ،بدأت الأطلاقات الأولی ترمی علينا من کل حدب و صوب.بعد جهد جهيد تمکننا من وقف أطلاق النارمصرخين فيهم(نحن پێشمه رگه) مرت دقائق وهدأت العاصفه، ونری اثنان من أبناء الحاج مضرجين في دمائهم.بعثنا أحد القرويين في أمر الدکتور وهو يمتطي جواده. دخلنا القرية وألقينا القبض علی اثنان من الذين کانوا يحملون السلاح فعملنا تحقيقا في الموضوع وعلمنا في حينه بأن المتهم الذي بدأ بأطلاق النار قد هرب الی مدينة کــــلار من وراء القريه. وکان الأخير خائفا من أبناء الحاج محمود عندما رآهم وهم علی أبواب القريه مدججين بالأسلحه..بدأنا بالأسعافات الأوليه ل(ياسين)الذي أصيب في فخذه و(أحمد) الذي أصيب في بطنه و ذراعه الأيمن...تحدثنا مع الحاج محمود وکان هادئا متمالکا نفسه ويقول ما حصل حصل يجب عمل شيءما لانقاذهـــــم،وما مرت ساعات حتی سمعنا دويا ثقيلا لدراجــــــــه نارية(ماطور)حتی صاح أحدهم بقوة لقد جاء الدکتور....هذه هي المره الاولی وأنا أری الدکتور المحبوب من قبل أهالي گرميان،نزل من دراجته و کيس الادويه علی کتفه الأيمن ورشاشه ال ج س علی کتفه الأيسر ..نعم انه( الدکتور آتيلا ) بعد القاء التحيه علينا بدأ فورا بأداء عمله،لقد توقف النزيف وبدأت رويدا رويدا حالات التحسن عليهم.تبادلنا أطراف الحديث فقال بصوته الرخيم لقد جئت من قريه (بنه که) ولدينا الآن نقص في الأدويه فيجب عمل شيء مـــا، نحتاج الی المزيد من الأدويه..بعثت برساله الی الأخ جمال کاکه يي الذي جمع لنا کيسا من الأدويه وبعثه لنا في اليوم التالي. بعد أن تأکد الدکتور آتێلا من وضع أبناء الحاج، غادرنا الی قريه أخری لغرض العلاج ووعدنا بالعوده في اليوم الثاني وبقی علی وعده.. قضينا أيامـــا جميلـــــــــه في تلك القريه الوادعــــــــه وتعرفت عن قرب علی شخصيـــه الشهيد آتيلا وذکرياتـــه و مغامراته الشبابيه بين کفري و طوزخورماتو.. في أوقات الصلاة کان يقود القرويين ک(أمام جمعه) وکان يسجد أکثر من اللازم ويطول وقتا أطول.سألت بعض اصدقائه لماذا يفعل هکذا؟ قالوا لي أنه مغرم ببنت شيخ ويريد تقليده کي ينال أستحسانه...کان آتيلا أنســـــــــــانا وطنيا صادقـــــا يحمل في قلبه النقي نظريه مســـــــاعده الآخرين بدون النظر الی العرق والجنس. مرت أيام وجاء وفــدا من قريه(لى خوره) وتصالحوا مع الحاج محمود والتئمت جراح ابنائه...عادت الأمور الی حالتها الطبيعيه. لکن الساقط صدام و حاشيته لن يترکا جرح گه رميان و أبنائه الطيبين تلتئم......في تك الظروف الصعبه کان الدکتور آتێلا بدراجته المتواضعه و أخلاقه السامي وتواضعه اللامتناهي و فکاهته الغير منقطعه وأيمانه القوي بربه أکبر هديه لأهالي هذه المنطقه المنکوبة
أقترح أن تبنی مستشفيات ونقاط للطواريء في هذه المنطقه تحمل
أسمه.
هنالك في محلة
أسماعيل بيك أحد أحياء مدينة كفري القديمة ثمة أسرة تركمانية
تسكن دارا قديمة تتوسطها حديقة شرقية غناء، الزقاق نفسها أشبه
بمعمر من القرن قبل الماضي، بحاجة الى من يقرأ أسرار جميلة بين
الاحجار المتداعية من الدور المجاورة العائدة ملكيتها الى أسر
كوردية وتركمانية عاشت في تلك الأزقة الكفراوية الملتوية بكل
محبة وألفة وإخاء لا تشوب هدوء عيشهم أية شائبة، العمر يجري
والسنون تمضي والعمران يزحف جنوبا وتلك الجدران العزيزة تتآكل
بفعل خراب النسيان والاهمال والسياسة تفعل فعلها في تباعد
الاحبة وهجر الاعزاء فلم يبق في ذلك الزقاق سوى هذه الدار التي
أتشرف بزيارتها الآن، دار سعدالله خليل جاوش التي رحلت عنها
الافراد واحدا بعد الآخر، رب البيت المرحوم سعدالله التركماني
يرحل الى سبيل ربه بعد حياة ملئها حكايات أشبه بالاساطير
القديمة حيث كان أحد أقوى أقوياء المنطقة برمتها ولازال كبار
السن يتذكرون وجهه الممتلئ وشواربه المفتولة كعضلاته وحكاية
حمله حصانه على كتفه وعليه نصف برميلين من الماء ويعبر به نهر
كفري وقت فيضانه، ثم يرحل أولاده الكبار من زوجته الأولى واحدا
بعد الآخر، وفي عام
١٩٧٢ تفقد الاسرة والمدينة برمتها أحد
أولادها البررة، الشهيد تيمور سعدالله إثر نصب كمين متقن من
قبل الامن العامة وقد كان الشاب تيمور محبوبا من الكل
والبيشمركة في بتاليون كفري أبان ثورة أيلول ولا زالت الأسر
تحتفظ بصورة له في منازلهم، وبعد عشرين عاما ويا لعجائب الصدف،
يستشهد شقيقه الآخر آتيلا في نفس المتر المربع الذي أستشهد فيه
شقيقه الأكبر تيمور وكان الشهيد الثاني مشهورا بين الناس لا في
كفري بل في جميع أنحاء كوردستان، حيث قصص بطولاته ونوادره
وصوته الرخيم وهو يؤدي أغاني المطرب التركي زكي موران وآلة
الساز الموسيقية التي كانت توازي بندقيته في حله وترحاله أيام
النضال في الجبال والوديان.
الشهيد تيمور وشقيقه
الشهيد د . اتيلا والهضاب الكوردستانية الساحرة، قصة حياة
آتيلا شيقة ومثيرة فقد دونت الكاتبة مهاباد قره داغي مذكراته
التي كتبها بخط يده وصور فلمين عن حياته أوله من بطولة الفنان
جهاد دلباك والثاني من بطولة الفنان علي كريم وإخراج الفنان
كامران رؤوف ولازالت قصة حياته يستلزمها الكثير من الأفلام
والكتابات، بنات الاسرة الثلاث كذلك يتركن البيت حيث الزواج
وبناء أسر جديدة وهذه هي الحياة في ديمومتها وصيرورتها، أقبال
والهام وسهام يكون أسر جديدة فلم يبقى في الدار الا المفجوعة
لأبنائها الأبطال (كوله باخ محمد شاسوار)، تستقبل زوارها ببسمة
جادة ومتفتحة أبدا وهي ترى في وجوه زائريها صور أبنائها، أسفا
أن العمر أخذ من صحة هذه مرأة المحبوبة الكثير فبعدما كانت
تجوب قرى كرميان بحثا عن آتيلا كي تزوده بالادوية المتنوعة
التي يحتاجها الولد لعلاج القرويين والبيشمركة مجانا تتأكئ
الآن على مسندة حديدية في الوقوف والتجوال في مساحة البيت فقط،
ما أن عرفت بأني بصدد كتابة شئ عنها أتصلت بواسطة تلفونها
المحمول بأحد أقرب أصدقاء آتيلا، ابو فلاح، فلم تمض الا دقائق
معدودات ويدخل أبو فلاح (حسن قادر صالح) صديق الشهيد أيام
البيشمركايتي الطويلة ويجلس هو الآخر والأبتسامة تفترش على فمه
وسرعان ما يدخل في مواضيع وحكايات شيقة بطلها الخالد آتيلا
سعدالله، تلك الحكايات أنتقلت الى ألسنة العامة وكل أهل
المنطقة ونرى من الضروري تدوينها ما فيها من الطرافة الكثير
والكثير وهذا ما نفعله أنشاء الله إن منحنا الباري فسحة من
الحياة وعلى صفحات(أوجاق). لا أدري مالذي دفعني عن سؤال أراه شيئا ما غريبا فقلت لأم تيمور : - مالذي دفع بولديك أن يختارا درب البيشمركايتي وأصل أسرتكما وثقافتها تركمانية؟. - قالت وهي تستغرب ربما من نوع السؤال، يا بني مالفرق بين الكوردي والتركماني وقد أنجبتهما هذه الارض الطيبة، اليس الواجب عليهما أن يذودا عنها من دنس الغزاة والطارئين عليها!!؟. طبعا، الجواب، نعم وألف نعم ولم يكن الشهيدين تيمور وآتيلا أول الذائدين عن أرض كوردستان من التركمان ولن يكونا الآخيرين في هذه المجال، فأجيال متلاحقة من الكورد والتركمان عاشا في كنف هذا الوطن الكوردستاني بكل سلام وسؤدد لا يمكن أن يغلقا نافذتيهما على الآخر، كوردستان هو وطن التركمان كما هو وطن الكورد والاشوريين والآخرين ولا ثمة أكثرية ولا أقلية فتلك مصطلحات من شأنها التفريق والتفتيت وهذا ما لا نريده أبدا فالى التآخي الأبدي بين الكورد والتركمان.
إن كان لا لنا بد من
كلمة أخيرة فنقول كان من الأجدر أن تهتم حكومة أقليم كوردستان
بهذه العائلة وطوبى لعثمان حاجي محمود ومردان جاوشين وأبوفلاح
وأمثالهم الذين لا ينسون هذه الامهات ابدا، أو بالاحرى بهذه
الام، فهي قدمت ولديها الجميلين للوطن فما المانع من حكام
الوطن أن يمدوا يد العون لهذه الأم ويعالجون عوقها القابل
للعلاج بارسالها الى دولة متطورة أسوة بأسر المترفين ولو لمرة
واحدة فقط. |