الحجل الخائن..طائر الكورد القومي
الحجل
رمز للحبيبة والحرية في الادبيات
يأتي التراث الغنائي والشعري
والمجتمعي في كردستان العراق على
ذكر طائر الحجل كثيرا، ومازال
الكثير من الناس يسمون بناتهم
باسم "كه وي kawe وهو اسم أنثى
الحجل باللغة الكردية، كما يطلقون
على الذكور من أبنائهم اسم "رباد"
وهو ذكر الحجل المميز في لونه
وشدوه، وكثيرا ما يشبه العشاق
حبيباتهم بهذا الطائر نظرا
لجماله، وما أن يرى أحدهم شخصا
رشيقا، خفيف الحركة حتى يشبهه
بطائر الحجل.
ويحفل التراث الغنائي الكردي
بأغان كثيرة عن هذا الطائر التي
تأتي مرات كدلالة رمزية للجمال أو
للحبيبة وفي غيرها للثوار ولمناطق
الأكراد بكردستان وغير ذلك.
يقول عبد الرحمن حاجي وهو شاعر
كردي إنه استعمل "اسم الحجل مرتين
في قصائده، مرة بالتركيز على
شدوه، الذي أصنفه بأنه أحد ثلاثة
أصوات ما أن يسمعها المرء حتى
يعرف بأنه في منطقة كردية ، وهي
صوت المياه في الجداول والأنهار
وصوت طائر الحجل وأخيرا قهقهة
الشباب وهم يضحكون حيث لا توجد
مناسبات كثيرة للضحك"، بحسب
تعبيره.
ويضيف حاجي أنه استعمل اسم الحجل
في قصيدة ثانية بوصفه "رمز
للحرية"، مبينا أن "نظم تلك
القصيدة كان في سنوات الثمانينات
من القرن الماضي، عندما كانت
الأوضاع السياسية في إقليم
كردستان العراق صعبة ويعيش السكان
في حالة اضطهاد شديدة من قبل
السلطات العراقية".
"للأسف انه الحجل الخائن"!
ومثلما لصوت الحجل وصورته دلالات
إيجابية عند الإنسان الكردي،
فهناك دلالة أخرى للطائر ولكنها
سلبية هذه المرة، إذ يرمز الحجل
في أدبيات المجتمع الكردي إلى
الخيانة، فما أن يرى السكان طائر
الحجل أو يسمعوا شدوه، حتى يرددوا
"للأسف إنه الحجل الخائن".
ويعود السبب في ذلك إلى سلوك
الطائر عند استخدامه للصيد، إذ
يقوم الطائر وهو بداخل القفص في
موقع الصيد بجذب أقرانه بصوته
للإيقاع بهم.
ويوضح الصياد جعفر محيي الدين أن
معظم الطيور "لا تلجأ إلى مثل هذا
السلوك أي الإيقاع بأبناء جنسها
كما يفعل الحجل، إذ في العادة
يمكن الإيقاع بذكور الطيور بواسطة
إناثها وبالعكس، أما بالنسبة
للحجل فيقوم الطائر بالشدو بطريقة
تؤدي إلى الإيقاع بالجنسين معا".
ولعل الكرد انتبهوا إلى موضوع
خيانة طائر الحجل لبني جنسه هنا
بسبب حالات الخيانة المتكررة التي
حصلت لهم في تاريخهم السياسي،
ويوضح الشاعر الكردي عبد الرحمن
حاجي ذلك بالقول إن "التاريخ
السياسي للكرد حافل بالخيانة من
الداخل والخارج، أي خيانة الكرد
لبعضهم البعض وقضيتهم، وخيانة
الآخرين لهم".
ويضرب الشاعر حاجي مثالا على
موضوع الخيانة الكردية الداخلية،
مبينا أن حملات الإبادة التي شنها
نظام الحكم العراقي السابق بقيادة
صدام حسين ضد المدنيين الاكراد
التي سميت بالأنفال وجرت في عقد
الثمانينات من القرن الماضي وأدت
إلى مقتل ما يزيد على 100 ألف
منهم، "تورط في تنفيذها إلى جانب
متهمين من العراقيين العرب 170 من
المواطنين الأكراد أيضا، ساهموا
بقتل أبناء قومهم بلا سبب".
مقترح لإنشاء جمعية لهواة الحجل
منذ أن اكتشف عراقيو الحضارات
الأولى النحاس قبل نحو أربعة آلاف
عام، بدؤوا في صنع أدوات الصيد،
وأخذوا يصطادون الحيوانات والطيور
ومنها طائر الحجل ولا يزالون
مستمرين في ذلك بحسب كتب التاريخ.
ويشير الصحفي الكردي آزاد مصطفى
إلى أن "مشهد تجمع هواة تربية
وصيد الحجل في مكان ما، أو ذهابهم
للصيد فرادى وجماعات يروق له
كثيرا".
ويقول في حديث لـ"نيوزماتيك"، إنه
يتمنى أن "يقوم هؤلاء الأشخاص
وبدعم من بعض المنظمات الحكومية
وغير الحكومية بتأسيس جمعية أو
منظمة خاصة بهواة تربية وصيد
الحجل".
ويرى مصطفى أن تأسيس مثل هذه
المنظمة "مفيد جدا من ناحيتين،
الأولى للاهتمام بتلك الهواية
الجميلة والأصيلة في المنطقة،
والثانية لحماية الطائر والقضاء
على الصيد الجائر وغير المنظم، إذ
أن هناك فترات لا تجوز فيها
عمليات الصيد بالنسبة لكل أنواع
الطيور والحيوانات والأمر ينطبق
على الحجل أيضا".
طائر
لا يفضل الطيران وأعشاشه حفر في
الأرض
وينتمي الحجل إلى عائلة
الدجاجيات التي تضم 48 جنساً،
يعرف من أنواعها 221 نوعاً، وهو
طائر ممتلئ الجسم يبلغ متوسط طوله
نحو 30 سنتيمتراً، يفضل الجري على
الطيران لكنه وعند الشعور بالخطر
يطير بعيداً وله قدرة كبيرة على
التخفي والتمويه بين الصخور،
ويعتبر الحجل صديقاً للبيئة فهو
يتغذى على النباتات والحبوب ويخلص
البيئة حيث يتواجد من الحشرات
الضارة.
ومع أن طيور الحجل في الغالب
مستوطنة، إلا أن بعضها يهاجر في
موسم الهجرة من مكان إلى آخر أو
من دولة إلى أخرى، بحثا عن المناخ
الدافئ، ويتعرض الحجل كغيره من
الطيور لعمليات الصيد الجائر في
مواطنه.
ويعيش الحجل غالبا على شكل أزواج
ويكون أسراباً قبل موسم التكاثر
وأثناء الموسم، وفي فصل الربيع
آذار (مارس) ونيسان (أبريل) من كل
عام، تضع الأنثى نحو 15 بيضة في
عش هو عبارة عن حفرة في الأرض تحت
الشجيرات والأعشاب أو بالقرب
منها.
وللحجل منقار أحمر ورجلان باللون
نفسه ويمكن تمييز الذكر عن الأنثى
بخطوط سود تمتد على الرأس فوق
العينين، ويكون الذكر أضخم من
الأنثى، ويتميز بألوانه الزاهية.
ويستطيع هواة تربية الحجل تدجينه،
باستخدام الأقفاص، أو الغرف
المغلقة المفروشة بالرمل أو
بنشارة الخشب، ومجهزة بمعالف
ومناهل المياه، ويمكن تعويده منذ
الأسابيع الأولى على الخروج إلى
الحديقة والعودة إلى القنّ.
وعلف الحجل يتكوّن في الغالب من
الحبوب والخضروات ومسحوق العظام
والفيتامينات، وتتناسب الكميّة مع
عمر الطائر، إذ تزداد الحاجة إلى
العلف مع ازدياد عمره.
ويؤكد الصيادون وجود ثلاثة أنواع
من الحجل الرومي، "على الأقل"، في
إقليم كردستان العراق، لون أحدهم
يميل إلى البياض وهو موجود أساسا
في جبال منطقة سنجار، وثمة نوعان
آخران تميل ألوانهما إلى الحمرة
والسواد وهما موجودان في معظم
جبال المنطقة.
إعداد
طائر مقاتل..
يحرص هواة تربية الحجل الرومي
سواء الذي يصطادونه أو الذي
يقومون بتربيته منذ الصغر على
تهيئة الذكور منها للقتال، ويكون
ذلك بطرق ووفق أساليب خاصة، اذ
يخضع الطائر للعزل لفترة تمتد
لعدة أيام يوضع خلالها في قفص
ويغطى بدثار لتوفير جو مظلم
باستثناء بعض الضوء الذي يتم
توجيهه إليه، ويؤكد الصيادون أن
من شأن ذلك أن يجعل طائر الحجل
شرسا إذا ما أطلق بعدها لقتال
غيره من الطيور.
وكثيرا ما يخسر الصيادون وهواة
تربية طائر الحجل مبالغ مالية
كبيرة بسبب جولات الصراع التي
يدخلونها بطيورهم، فقد يشرك أحدهم
طائره الذي يفوق سعره الألفي
دولار أميركي، قبل أن يبدأ جولة
القتال، بحسب احد الصيادين، وبعد
أن يهزمه طائر منافس يفقد الطائر
الثمين قيمته ويصبح بلا قيمة، ما
يدفع صاحبه في أحيان كثيرة إلى
نحره وتركه في ساحة الصراع.
وبالمقابل يمكن لهاوي تربية الحجل
أو صياده أن يكسب مبالغ كبيرة اذا
ما تمكن من إعداد طائر شرس
لمنازعة أقرانه من خلال بيعه، ومن
الممكن أن يصل سعر الطائر الذي لم
يكلف صاحبه خمسة دولارات، إلى
بضعة آلاف بعدما يكون قد أعده
بشكل جيد حتى تحول إلى طائر مشهور
بشراسته في الصراع.
الحجل الطائر القومي لدى الأكراد
يرجع تاريخ تقليد اختيار الشعوب
أحد طيورها ليكون الطائر الوطني
للبلاد إلى أكثر من مائتي سنة،
وكانت الولايات المتحدة هي أول
دولة اختارت طائراً وطنياً لها،
وتحرص الدول على أن تختار رموزها
الوطنية ومنها الطائر الوطني
بمشاركة جمهور المواطنين وربما
تعرض الأمر على ما يشبه
الاستفتاء.
وفي سنة 1960 اقترح ممثلو الدول
المشاركة في الدورة الثانية عشر
للمؤتمر الدولي لحماية الطيور على
كل دولة في العالم اختيار طائر
وطني لها وحددت حتى الآن أكثر من
40 دولة طيورها الوطنية.
فاختار الأردنيون العصفور الوردي
السينائي طائرا وطنيا، واختير
طائر "التوكورورو" ويعرف بصعوبة
اصطياده طائرا وطنيا في كوبا
واختارت الولايات المتحدة
الأميركية الباز الأبيض الرأس
طائرا وطنيا لها وفي اليابان
اختير طائر الغرنوق كرمز الدولة.
وكما اختار إقليم كردستان العراق
نشيدا وعلما خاصا في السنوات
الماضية فقد يختار طائرا قوميا في
المستقبل، وحينها سيكون الحجل
الرومي المرشح الأوفر حظا للفوز
بهذا اللقب |