حياتها الاجتماعية:
ولدت سوسكا سمو لعائلةٍ كورديّةٍ من كورد قفقاسيا في عام ١٩٢٥م, ولدت ضمن حدودٍ
لا يجوز للنّساء تجاوزها لئلا تلحقها لعنة العادات والأعرافِ الكورديّة التي
كانت متّبعة على المرأة حينذاك وما تزال, وكعادةِ بعض نساءِ تلك الفترةِ قرّرت
سوسكا التّمرّد
على هذه الحدود, وتجاوزها بجرأةٍ وصلابةٍ, واضعةٍ نصب عينيها سهام المجتمع
الفتّاكة التي قد تفتكُ بها وبسمعتها كامرأة متمرّدة, خارجة عن الأعراف
والعادات.
اختارت مجال الفنّ كمنطلقٍ ومنشأ يشهدُ على ولادتها الجديدة, الولادة التي
اختارتها هي لنفسها وبنفسها, والتي أوصلتها إلى متاهاتٍ ومجاهل كادت تخيّمُ على
حياتها باليأس والعزلةِ.
حين ولوجها إلى عالم الفنّ, تعرّفت إلى شابّ أرمنيّ, كان رياضيّاً, ربّاعاً ,
أدى إلى نشوء علاقة حبّ بينهما انتهت بالزّواج, فكان هذا الزّواج السّبب
الرّئيس في تدنّي شعبيتها بين جماهيرها الكورديّة التي رفضت رفضاً قاطعاً
زواجها من رجل من غير قوميتها وحتى دينها, فابتعدوا عنها, وخلقوا لها حياة صعبة
وشاقة وصلت إلى حدّ العزلةِ والوحدة, فهي بنظرهم امرأة تجاوزت عادات وأعرافِ
قومها ومجتمعها, وتمرّدت على شرائع دينها.
أظنّ أنّ ابتعادهم عنها, وإطلاقهم الإشاعات والشّائعات عليها لم يكن بسبب
زواجها فقط, بل وقبل ذلك بسبب قرارها الدّخول إلى عالم الفنّ والغناء, وهو
المجال الذي ما زال الدّخول إليه محظوراً على الفتاة لدى شرائح واسعة من
المجتمع الكوردي.
حياتها الفنيّة:
تعدّ سوسكا سمو أوّل فتاةٍ كورديّة تعتلي خشبة المسرح, وتغنّي بلغتها الكرديّة
على مسارح جمهوريّاتِ الاتحادِ السّوفياتي السّابق. كان ذلك في عام ١٩٤٦م حين
اعتلت مسرح (فلارمونيا) في أرمينيا وأدّت عليها وضمن حفل فنّي العديد من
الأغنيات الكورديّة, وهذا المسرح كان مخصّصاً للأقليّات في تلك الجمهوريات لكي
يعرضوا فنونهم وتراثهم عليه, حيثُ كانت الحكومة المركزية ترفض أن تفعل
الأقليّات ذلك قبل هذا التّاريخ (١٩٤٦م), ولم يكن يحضر ذلك المسرح أبناء
الأقليّات فقط, بل كان يتوافدُ إليه النّاسُ من روسيا وأرمينيا وجورجيا
وجمهوريّاتٍ أخرى ليتعرّفوا على فلكلور وفنون الأقليّات.
بعد أن تعرّفت إلى الشّاب الأرمنيّ (كوليا نفتالينا) والذي أصبح فيما بعد زوجاً
لها, صار يرافقها في كلّ حفلاتها الغنائيّة, ويعتلي معها خشبة المسرح حتى شكّلا
ثنائياً غنائيّاً متميّزاً.
لم تقتصر شهرتها على ايريفان فحسب بل شملت كلّ جمهوريات الاتحاد, لذلك انهالت
عليها الدّعوات من مختلفِ هذه الجمهوريات لتحيي حفلاتٍ فيها, زادت هذه الحفلات
من شهرتها وجماهيريتها التي بلغت ذروتها في عام ١٠٦٥م حين أحيت حفلاتٍ غنائيّةٍ
في (السّاحة الحمراء) في أرمينيا, وكانت ساحة مشهورة جدّاً, يحيي فيها كبار
الفنّانين حفلاتهم ويقدّمون عروضهم الفنيّة.
يُقالُ إنّ الشّهرة الواسعة التي حصدتها سوسكا سمو كان السّبب في قطع الجماهير
الواسعة تذاكر حفلاتها قبل بدءِ الحفلة بعدّة أيّام, وكانت هذه الجماهير تنتظرُ
طويلاً أمام شبّاك التّذاكر حتى تتمكّن من قطع تذاكر الحفل, وإن لم تتمكّن من
ذلك كانت تكتفي بالاستماع إليها والاستمتاع بصوتها من الصّالون الملحق بخشبةِ
المسرح.
أشهر أغنيات سوسكا سمو:
منذ بدايتها مع الغناء والفنّ قرّرت النّهل من التّراثِ الغنائيّ الكورديّ,
الذي لم يبخل عليها بالعطاء بالإضافة إلى الأغاني الخاصّة بها, ولكنّ أشهر
الأغاني التي كانت تردّدها في حفلاتها بالإضافة إلى أغنية (محو,
Miho) التي اشتهرت بها وكانت مفتاح
شهرتها الأوّل فإنّها كانت تؤدي أغنياتٍ أخرى منها:
(Devera berê,
Lenîn rabû, Belengaz bû,
ولكنّها وعلى
الرّغم من كلّ هذه الأغاني التي قدّمتها في حفلاتها الكثيرة والنّاجحة, لم
تتمكّن من إصدار أيّ كاسيتٍ غنائيّ في حياتها بسبب ظروفها المادية الضّعيفة,
وضعف إمكاناتها.
أثر الآخرين على فنّها:
ذكرنا كيف أنّ وجود زوجها الأرمنيّ في حياتها أثّر إيجاباً على حياتها الفنيّة
والغنائيّة, على الرّغم من تأثيره السّلبيّ على حياتها الاجتماعية, إلا أنّ
وجود آخرين أيضاً كان لهم عميق الأثر في فنّها ومن أبرزهم أمير النّاي الكرديّ
حينذاك (عكيد جمو, Egîdê Cimo),
الذي كان يرافقها في غنائها ويضفي على صوتها وأدائها الرّونق والانسجام, وقد
أوردت بعض المصادر هذا الخبر عنهما
(Carinan jî bi bilêvkirina Keremê Seyad ku li ser
pêlên Radyoya Erîvanê digot; ‘Distre Susika Simo, lê dixe Egîdê Cimo!).
(بمعنى: تغنّي سوسكا سمو, ويعزفُ عكيد جمو).
قبساتٍ مضيئة في حياة سوسكا سمو:
نقاطٌ مضيئة تلمعُ في حياتها, فهي لم تكتفِ بالغناءِ بلغتها الكرديّة على
الرّغم من تعرّضها إلى كافةِ أنواع القدح والذّمّ من شعبها وأبناءِ مجتمعها على
زواجها من رجل غير كورديّ, إلا أنّها كانت اعتادت أن تلبس الثّياب الملوّنة
بألوان العلمِ الكورديّ (الأخضر والأحمر والأصفر), وتزيّن رأسها بكوفيّةٍ
كورديّةٍ زاهية الألوان كذلك, ما يدلّ على صدق مشاعرها وصفاءِ أحاسيسها تجاه
قومها وشعبها ولغتها وقضيّتها, وقد أطلق عليها بحقّ (فنّانة المسرح).
نهايتها:
تأرجحت حياتها بين الفرح والسّرور اللذين كانا يأتينها من حبّ وعشقِ جمهورها
لها, وبين الأسى والحزن الّلذين خيّما على حياتها بعد تعرّضها لمضايقاتٍ من
شعبها ومجتمعها اللذين تخلّوا عنها, وعرّضوها للوحدةِ والعزلة.
رحلت عن عالمنا في عام ١٩٧٧م وهي في عنفوان شبابها وعطائها لتكون شمعة مضيئة
تضفي على عالم الفنّ والغناء الكورديّين الألق والضّياء إلى الأبد
توفیت
في عام ٢٠٠٠.